تحت عنوان ” بِهَذَا أُظْهِرَتْ مَحَبَّةُ الله فِينَا: أَنَّ الله قَدْ أَرْسَلَ ابنه الوحيد إِلَى العالم لِكَيْ نَحْيَا بِهِ “، أصدر بطريرك السّريان الأرثوذكس مار إغناطيوس أفرام الثّاني رسالة الميلاد وقد جاء في نصّها:
“يشرق نجم الميلاد هذا العام في سماء مشرقنا المثقل بالضّيقات، والمتعب من الحروب، والمليء بالتّغيّرات والخوف من المجهول، مبشّرًا بميلاد الرّبّ يسوع له المجد، مذكّرًا بالميلاد العجيب الّذي حدث قبل ما يزيد عن ألفي سنة، معلنًا الخلاص لكلّ البشر. يُظهر ميلاد الرّبّ يسوع رحمة الله الآب ومحبّته غير المحدودة مُجدّدًا سبب الرّجاء الّذي فينا (١ بطرس ٣: ١٥)، مضيئًا مشارق الأرض ومغاربها، منيرًا عتمة خوفنا، ومفعمًا قلوب من عانى من العذاب والقهر وعاش الظّلم والجور، بالشّوق لعيش حياة جديدة وأفضل. فهذا التّجسّد الإلهي هو السّبيل لكلّ من يرفض العبوديّة، وصوت الحقّ للمظلومين، ومدخل إلى الحياة الأبديّة لكلّ من يسعى إليها، لأنّه يبشّر بميلاد ربّ الحياة يسوع المسيح، الّذي قال: “أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ، لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلّا بِي” (يوحنّا ١٤: ٦).
إنّ ميلاد السّيّد المسيح هو دعوة للبشريّة لعيش حياة أفضل، أساسها السّلام، وغايتها المسرّة والفرح اللّذين لا يُنزعان عنّا، حياة بشَّر بها الملائكة الرّعاة ليلة ميلاد الرّبّ يسوع الّذي يهبها لكلّ من يؤمن باسمه، كقوله: “وَأَمَّا أَنَا فَقَدْ أَتَيْتُ لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ وَلِيَكُونَ لَهُمْ أَفْضَلُ” (يوحنّا ١٠:١٠)، بالرّغم من كلّ المخاوف الّتي تحيط بنا، والتّحدّيات الّتي نجابهها اليوم كمسيحيّين، سواء كنّا في الشّرق أو الغرب، حتّى تملّك اليأس قلوب الكثيرين، لكن رحمة الله الآب غير المتناهية تقدّم من جديد ترياق الحياة لكلّ إنسان، محبّته وكلمته المتجسّد، طفل المغارة يسوع المسيح.
إنّ ميلاد الرّبّ يسوع هو علامة ولادتنا الجديدة، ونقطة بداية لهذه الحياة الأفضل، الّتي يمنحها لنا روح الله القدّوس بإيماننا بابنه الوحيد، الرّبّ يسوع المسيح، لكن هذا الميلاد الجديد، يتطلّب منّا كمؤمنين، في شرق نجابه فيه مخاوف وجودنا، وغرب نحارب فيه التّحدّيات الإيمانيّة، شهادةً وإعلانًا، لعمله الخلاصيّ في حياتنا. لذلك، ونحن نستقبل عيد الميلاد الخلاصيّ في خضمّ كلّ هذه التّغيّرات والتّحدّيات، نجدّد دعوتنا لكم جميعًا لعيش الرّجاء، والسّعي للسّلام، والتّنعّم ببشرى الخلاص، من خلال التّمسّك والثّبات بالإيمان، والتّوكّل على الرّبّ كلّ حين، الّذي ينزع الخوف من قلوبنا، كقول القدّيس بطرس الرّسول: “مُلْقِينَ كُلَّ هَمِّكُمْ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ هُوَ يَعْتَنِي بِكُمْ” (1 بطرس 5: 7).
أحبّائي، زمن الميلاد هو زمن الشّهادة عن الحياة الأفضل الّتي نحياها بالمسيح يسوع، والإعلان عن محبّة الله الآب لنا بواسطة عمّانوئيل ابنه (الله معنا). هلمّوا نكرّس له عالمنا، حتّى تتوقّف الحروب، وينتهي العنف ويزول الظّلم، ويبطل القتل، ولكي يحيا الإنسان مع أخيه بسلام ومحبّة، موجّهين نداءً مفعمًا بالأمل في عيد ميلاد الرّبّ يسوع، رئيس السّلام، لكلّ الدّول والحكومات والمنظّمات الدّوليّة، للعمل بجدّ لإرساء دعائم السّلام واستمراريّته في أرجاء العالم كافّة، وخصوصًا في مشرقنا المعذّب، ولضمان حقوق جميع أطيافه ومكوّناته. فقد عانى بلدان هذا المشرق من ظلم ومعاناة، كما شهدنا في العراق ولبنان وفلسطين، وسورية الحبيبة الّتي تعيش اليوم مرحلة جديدة وحسّاسة من تاريخها، تُرسَم فيها صورٌ لمستقبلٍ غامض يواجه فيه المسيحيّون تحدّيًا وجوديًّا.
نتقدّم منكم جميعا بأسمى التّهاني والتّبريكات بمناسبة عيد الميلاد الخلاصيّ وبداية العام الجديد ٢٠٢٥، سائلين المولود رئيس السّلام أن ينشر سلامه في العالم أجمع، ويُفرج عن المكروبين والمظلومين، ويشفي المرضى والمتألّمين، ويعزّي الحزانى ومنكسري القلوب، ويوفّق بين المتخاصمين ويرحم الموتى المؤمنين، بشفاعة السّيّدة العذراء مريم والدة الإله ومار بطرس هامة الرّسل وكلّ الشّهداء والقدّيسين. آمين. وكلّ عام وأنتم بخير.”