هذا ما أكّده رئيس أساقفة أبرشيّة الفرزل وزحلة والبقاع للرّوم الملكيّين الكاثوليك المطران ابراهيم ابراهيم في قدّاس الأحد السّادس والعشرين بعد العنصرة، في كاتدرائيّة سيّدة النّجاة- زحلة.
ابراهيم انطلق من مثل الغنيّ الجاهل ليشرح نظرته، فقال بحسب إعلام المطرانيّة: “في هذا النّصّ الإنجيليّ، مثل الغنيّ الجاهل، يضعنا الرّبّ يسوع أمام حقيقة لا مهرب منها: الميل البشريّ لجمع الغنى والاعتماد عليه كأنّه الأمان الأخير في الحياة. يدعو يسوع كلّ واحد منّا للتّفكر في طبيعة غنانا: هل هو غنى للأرض أم غنى لله؟ الغنيّ في المثل ليس مُدانًا لأنّه غنيّ، بل لأنّه حصر كلّ حياته في ما يمتلك، ونسي أنّ ما لديه هو عطيّة من الله، يُنتظر أن يُثمر لصالح الآخرين. يظهر الغنيّ وكأنّه مهووس بتوسيع ممتلكاته، غير منشغل بحمد الله أو بالتّفكير في الآخرين. وفي هذا، يعكس واقعًا يعيشه كثيرون: بناء الثّروات دون إدراك أنّها قد تصبح عبئًا روحيًّا. يقول الغنيّ: “خَيْرَاتِي، أَثْمَارِي، أَجْمَعُ، أَهْدِمُ، أَبْنِي.” كلّ شيء يدور حول ذاته. حتّى حديثه عن “الاستراحة والفرح” موجّه لنفسه فقط، دون أن يفتح قلبه للآخرين. هذه الأنانيّة تُنتج عُقمًا روحيًّا وموتًا داخليًّا. يكشف يسوع عن هشاشة الثّروات الأرضيّة حين قال الله للغنيّ: “في هذه اللّيلة تُطلب نفسك منك.” الغنى المادّيّ لا يحمل في طيّاته ضمانة للحياة ولا يمكن أن يشتري الخلاص. الغنى بالله يعني أن ندرك أنّ الحياة ليست ملكنا، بل هي أمانة بين أيدينا. الغنى الحقيقيّ ليس في ما نُكدّس، بل في ما نُعطي، في محبّة الله والقريب، في مشاركة النّعم الّتي أُعطيت لنا. الغنيّ في المثل كان فقيرًا روحيًّا رغم وفرة ممتلكاته. وهذا المثل يدعونا لمراجعة حساباتنا الرّوحيّة: ماذا نكنز؟ هل هو غنى يجعلنا أكثر محبّة وقربًا من الله؟ أين نحفظ “كنزنا”؟ في مستودعات الأرض، أم في قلوب النّاس، حيث يبقى أثرنا خالدًا؟ الغنى الحقيقيّ هو غنى النّفس بالله، وهو أن نعيش حياة تفيض بالمحبّة والخدمة والامتنان.
لبنان في شريحة أساسيّة اليوم يشبه ذلك الغنيّ في المثل، ليس في وفرة الخير، بل في انعدام الرّؤية نحو الغنى الحقيقيّ. كثيرون يجمعون ويكنزون لأنفسهم، تاركين البقيّة يعانون الجوع والفقر واليأس. نحن اليوم بحاجة إلى أن نسأل أنفسنا: كيف يمكننا أن نكون “أغنياء بالله” في هذه الأزمة؟ كيف يمكننا أن نستخدم مواردنا، مهما كانت قليلة، لنزرع الأمل في نفوس المحبطين؟ علينا أن نتحوّل من الأنانيّة إلى العطاء، فكلّ فرد في لبنان مدعوّ لتقديم شيء للآخر، مهما كان صغيرًا. لا تدع الأزمة تبرّر التّقوقع على الذّات. الكنيسة تسعى دائمًا لأن تكون “بيت الرّحمة”، ونحن أيضًا مدعوّون أن نفتح قلوبنا وأيدينا للآخرين، تمامًا كما فعل “السّامريّ الصّالح”. لنحرص على أن تكون رسالتنا، ككنيسة وشعب، رسالة رجاء ومشاركة. علينا أن نستثمر في تعليم الأجيال قيم الخدمة والمشاركة بدلًا من قيم الجشع والتّقوقع. لننظر إلى لبنان لا كأهراء أو كمخزن أغلقه بعض “الأغنياء الجهّال”، بل كحقل يحتاج إلى فلّاحين أمناء يزرعون البذور الصّالحة: بذور المحبّة، الرّجاء، والمشاركة. فلنكن أغنياء لله، مستخدمين أيدينا وأصواتنا لبناء وطن يليق برسالة المسيح، لأنّ الغنى الّذي نكنزه في السّماء هو الّذي سيبقى إلى الأبد”.