23 ديسمبر 2024
أوروبا

البابا فرنسيس زار كورسيكا ليوم واحد، والتّفاصيل؟

في زيارة رسوليّة ليوم واحد، حطّ البابا فرنسيس رحاله أمس الأحد في جزيرة كورسيكا.

وفي زيارته القصيرة، شارك البابا في أجاسيو بمداخلة هامّة في اختتام مؤتمر التّقوى الشّعبيّة في المتوسط، تطرّق فيها إلى مواضيع عديدة محورها أهمّيّة هذه التّقوى وكيفيّة تحليلها والاستفادة منها.

ولفت إلى “قدرة التّقوى الشّعبيّة على إبراز قيم الإيمان وأيضًا التّعبير عن وجه وتاريخ الشّعوب وثقافتها”، مشيرًا إلى أنّ “في هذا التّشابك ينخرط الحوار المتواصل بين العالمين الدّينيّ والعلمانيّ، بين الكنيسة والمؤسّسات المدنيّة والسّياسيّة.”

وشجّع الأب الأقدس المشاركين “على السّير قدمًا”، حثّ الشّباب “على الالتزام بشكل أكثر فاعليّة في الحياة الاجتماعيّة والثّقافيّة والسّياسيّة انطلاقًا من مبادئ سليمة والاهتمام بالخير العامّ”.

كما حثّ الرّعاة والمؤمنين والسّياسيّين وجميع مَن لديهم مسؤوليّات عامّة على البقاء دائمًا بالقرب من الشّعب والإصغاء إلى احتياجاته ولمس معاناته وترجمة رجائه، فكلّ سلطة تكبر فقط بالقرب”.

بعد انتهاء الجلسة الختاميّة للمؤتمر، توجّه البابا فرنسيس إلى تمثال “سيّدة الرّحمة” شفيعة أجاسيو حيث صلّى، وانتقل بعدها إلى كاتدرائيّة “سيّدة الانتقال” حيث تلا صلاة التّبشير الملائكيّ مع الأساقفة والكهنة والشّمامسة والمكرّسين والمكرّسات والإكليريكيّين، وقد توجّه إليهم بالشّكر قائلًا بحسب “فاتيكان نيوز”: “أنا هنا على أرضكم الجميلة هذه، وهي فرصة لي لأقول لكم شكرًا: شكرًا لوجودكم، لحياتكم الّتي تقدّمونها، وشكرًا لعملكم، ولالتزامكم اليوميّ، وشكرًا لأنّكم علامة لحبّ الله الرّحيم ولأنّكم شهود للإنجيل.”

ودعاهم إلى أمرين قائلًا: “أن تهتمّوا بأنفسكم، وأن تهتمّوا بالآخرين لأنّ الحياة الكهنوتيّة أو المكرَّسة ليست كلمة “نعم” قلناها مرّة واحدة وإلى الأبد. يجب أن نجدّد كلّ يوم فرح اللّقاء بالرّبّ، ويجب في كلّ لحظة أن نُصغي إلى صوته من جديد وأن نقرّر أن نتبعه.”

وأضاف: “نحن بحاجة إلى “قاعدة حياة” صغيرة تتضمّن الموعد اليوميّ مع الصّلاة والإفخارستيّا، والحوار مع الرّبّ يسوع، كلٌّ بحسب روحانيّته وأسلوبه”.

هذا وترأّس البابا فرنسيس عصرًا القدّاس الإلهيّ في “Place d’Austerlitz” في أجكسيو، حيث ألقى عظة قال فيها: “سأل النّاس يوحنّا المعمدان: “ماذا نعمل؟”. إنّه سؤال علينا أن نصغي إليه بعناية، لأنّه يعبّر عن الرّغبة في تجديد الحياة وتغييرها إلى الأفضل. إنّ يوحنّا يعلن عن مجيء المسيح الّذي طال انتظاره: والّذين يسمعون كرازة المعمدان يريدون أن يستعدّوا لهذا اللّقاء. ويشهد الإنجيل بحسب القدّيس لوقا أنّ الأبعدين هم الّذين يعبّرون عن هذه الرّغبة في الارتداد، لا الفرّيسيّون وعلماء الشّريعة، بل العشّارون والجنود: “يا معلّم، ماذا نعمل؟”.
إنّ الّذين يعتبرون أنفسهم أبرارًا لا يتجدّدون. أمّا الّذين كانوا يُعتبرون خطأة علنيّين فيريدون أن يتحوّلوا عن سلوكهم غير الشّريف والعنيف إلى حياة جديدة. إنّ البعيدين يصبحون قريبين عندما يقترب المسيح منّا. في الواقع هكذا يجيب يوحنّا على العشّارين والجنود: مارسوا العدالة، كونوا مستقيمين وأمناء. إنّ إعلان الرّبّ، اذ يشمل بشكل خاصّ الأخيرين والمستبعدين، يوقظ الضّمائر لأنّه يأتي ليخلّص لا ليدين الضّالّين.
لذلك، أيّتها الأخوات والإخوة الأعزّاء، واليوم أيضًا نحن نطرح السّؤال الّذي وجّهه الجموع إلى يوحنّا المعمدان. في زمن المجيء هذا لنجد الشّجاعة لكي نسأل بدون خوف: “ماذا نعمل؟ لنسأل ذلك بصدق، لكي نعدّ قلبًا متواضعًا وواثقًا للرّبّ الّذي يأتي. إنّ القراءات الّتي سمعناها تعطينا أسلوبين لانتظار المسيح: الانتظار المريب والانتظار الفرح. لنتأمّل حول هذين الموقفين الرّوحيّين.
إنّ الأسلوب الأوّل من الانتظار، أيّ الانتظار المريب، هو مليء بغياب الثّقة والقلق. إنّ الّذي يشغل ذهنه بأفكار تتمحور حول نفسه يفقد فرح الرّوح: وبدلاً من أن يسهر برجاء، يشكُّ في المستقبل. وإذ ينشغل بمشاريع دنيويّة، لا ينتظر عمل العناية الإلهيّة. عندها تأتي كلمة القدّيس بولس الخلاصيّة الّتي توقظه من هذا السّبات: “لا تكونوا في هم من أيّ شيء كان”. لا تكونوا مهمومين، محبطين، وحزينين. كم تنتشر اليوم هذه العلل الرّوحيّة، لاسيّما حيث تتفشّى النّزعة الاستهلاكيّة! إنَّ مجتمعًا كهذا هذا يشيخ وهو غير راضٍ، لأنّه لا يعرف كيف يعطي: والّذي يعيش لنفسه لن يكون سعيدًا أبدًا.
لكن الرّسول يقدّم لنا دواءً ناجعًا عندما يكتب: “في كلّ شيء لترفع طلباتكم إلى الله بالصّلاة والدّعاء مع الشّكر”. إنّ الإيمان بالله يعطي الرّجاء! في المؤتمر الّذي عُقد هنا في أجكسيو تمَّ تسليط الضّوء على مدى أهمّيّة تنمية الإيمان وتقدير دور التّقوى الشّعبيّة. لنفكّر في صلاة مسبحة الورديّة: إذا ما تمّ اكتشافها وممارستها بشكل جيّد، هي تعلّمنا أن نبقي قلوبنا مثبّتة على يسوع المسيح، مع نظرة مريم التّأمّليّة. ولنفكّر في الأخويّات، الّتي يمكنها أن تربّي على خدمة القريب المجّانيّة الرّوحيّة والجسديّة على حدّ سواء. إنّ جمعيّات المؤمنين هذه، الغنيّة بالتّاريخ، تشارك بنشاط في ليتورجيّة الكنيسة وصلواتها الّتي تزيّنها بتراتيل الشّعب وتَعبُّدِه. أوصي أعضاء الأخويّات بأن يقتربوا بجهوزيّة على الدّوام، ولاسيّما من الأشدّ هشاشة، جاعلين الإيمان عاملًا في المحبّة.
ومن هنا نأتي إلى الموقف الثّاني: الانتظار الفرح. إنّ الفرح المسيحيّ ليس فرحًا سطحيًّا خاليًا من الهموم. بل هو فرح القلب القائم على أساس راسخ يعبّر عنه النّبيّ صفنيا مخاطبًا الشّعب “افرح لأنّ “في وسطك الرّبّ إلهك الجبّار الّذي يخلّص”. إنّ مجيء الرّبّ يحمل لنا الخلاص: لذلك فهو مدعاة للفرح. الله هو “قدير”، كما يقول الكتاب المقدّس: هو قادر على أن يفتدي حياتنا لأنّه قادر على تحقيق ما يقوله! لذلك فإنّ فرحنا ليس عزاءً وهميًّا، لكي يجعلنا ننسى أحزان الحياة. إنّه ثمرة الرّوح بالإيمان بالمسيح المخلِّص الّذي يقرع على أبواب قلوبنا ويحرّرها من الحزن والضّجر. لذلك يصبح مجيء الرّبّ عيدًا مليئًا بالمستقبل لجميع الشّعوب: في صحبة يسوع نكتشف الفرح الحقيقيّ للعيش وإعطاء علامات الرّجاء الّتي ينتظرها العالم.
إنّ أولى هذه العلامات هي السّلام. إنّ الّذي يأتي هو عمّانوئيل، الله معنا، الّذي يعطي السّلام للبشر “أهل رضاه”، وفيما نستعدّ لاستقباله، في زمن المجيء هذا، لتنمو جماعاتنا في القدرة على مرافقة الجميع، لاسيّما الشّباب الّذين يسيرون نحو المعموديّة والأسرار المقدّسة. في كورسيكا، وبفضل الله، هناك الكثير! سيروا قدمًا على هذا الدّرب: إنّ الكنيسة تكون خصبة عندما تكون فرحة. هذا هو أسلوب إعلاننا الّذي يحمل للجميع سلام الرّبّ ونور الإيمان.
أيّها الإخوة والأخوات، للأسف نحن نعلم جيّدًا أنّ بين الأمم لا تغيب أسباب الألم الخطيرة: البؤس والحروب والفساد والعنف. ومع ذلك، فإنّ كلمة الله تشجّعنا على الدّوام. أمام الدّمار الّذي يرهق الشّعوب، تعلن الكنيسة رجاءً أكيدًا لا يخيّب، لأنّ الرّبّ يأتي ليقيم في وسطنا. وهكذا، فإنّ التزامنا بالسّلام والعدالة يجد في مجيئه قوّة لا تنضب. في كلّ زمن وفي كلّ محنة، المسيح هو مصدر فرحنا. ولكي نحمله في كلّ مكان، لنحفظه دائمًا في قلوبنا. وسنكون عندها شهودًا للرّجاء الّذي لا يخيب.”