“عندما ستصبحون كهنة، إذهبوا إلى السّجون، هذه أولويّة”، تلك الوصيّة الّتي أوصاها البابا فرنسيس لإكليريكيّي بامبلونا وسان سيباستيان لمناسبة زيارته في القصر الرّسوليّ، ناقلًا إليهم تجربته في هذا المجال.
دعوة البابا هذه أتت بكلمة وجّهها إلى زوّاره، فقال بحسب “فاتيكان نيوز”: “يسعدني أن أرحّب بكم يا إكليريكيّي بامبلونا وسان سيباستيان. لقد كان رئيس أساقفتكم متحمّسًا جدًّا لهذا اللّقاء وأخبرني أنّكم تستميلونني باسم المودّة الّتي أكنّها للسّجون، لكي أمنحكم أيضًا هذا اللّقاء. إنَّ الإكليريكيّة ليست سجن، وإنّما هي مكان تتعلّمون فيه أنّ الكاهن هو إنسان يريد أن يفدي ويخلّص، لأنّ الكاهن لا يمكنه أن يكون سوى صورة حيّة ليسوع الفادي.
هذا الأمر يعني أمورًا كثيرة ولكن هناك أمر واحد دقيق جدًّا وهو أنّه ينبغي علينا أن ننزل إلى السّجون؛ بالتّأكيد إلى سجون الحكومة لنقدّم للمسجونين هناك زيت التّعزية وخمر الرّجاء، ولكن أيضًا إلى جميع السّجون الّتي تحبس رجال ونساء مجتمعنا: سجون الإيديولوجيّات والأخلاقيّات، والسّجون الّتي تخلق الاستغلال والإحباط والجهل ونسيان الله.
أعود إلى السّجون، من فضلكم اذهبوا إلى السّجون، اذهبوا، والتزموا. منذ أن كنت أسقفًا، في يوم خميس الأسرار، كنت أقوم برتبة غسل الأرجل في السّجن. إنّهم أكثر الأشخاص الّذين يحتاجون إلى أن نغسل أرجلهم وكأنّنا نقول لهم: “أنظر، أنا أغسل رجليكَ لأنّي أسوأ منك، ولكنّني محظوظ لأنّ هناك من انتشلني وأمسك بي”. أتذكّر أنّني كنت أغسل قدمي امرأة، وكان سجن نساء، وعندما هممتُ بالذّهاب إلى الأخرى، أمسكت بيدي واقتربت من أذني وقالت لي: “يا أبتي، لقد قتلت ابني”. إنّها المأساة الدّاخليّة في ضمير الّذين يعيشون في السّجن. عندما ستصبحون كهنة، إذهبوا إلى السّجون، هذه أولويّة. ويمكننا جميعًا أن نقول ما أشعر به: لماذا هم وليس أنا؟ أنتم ستنالون المسحة الكهنوتيّة لكي تحرّروا السّجناء والّذين هم مأسورين، بدون أن يدركوا ذلك.
يقدّم لنا القدّيس لوقا في الفصل الرّابع من إنجيله تأملًا جميلاً لإعداد الكهنة المستقبليّين أقترحه عليكم: هو يحدّثنا عن الطّاعة للرّوح، وعن خلق صحراء لكي نلتقي بالله، وعن التّخلّي عن أشياء كثيرة نحملها كثقل. ويشجّعنا على ألّا نخاف من مواجهة تجربة خدمة وثنيّة، نكون فيها نحن المحور، ونبحث فيها عن السّلطة المادّيّة أو التّصفيق.
ويتابع الفصل مضيفًا إنّ يسوع قد ذهب إلى النّاصرة، أرضه، مدركًا أنّه لم يكن في نظر العالم سوى ابن يوسف، واحدًا مثلنا. لا تنسوا أبدًا هذه الجذور، لا تنسوا أبدًا أنّكم أبناء الشّعب. هذا النّصّ من لوقا يعلّمنا أيضًا أننا في رسالتنا وعملنا الرّسوليّ لا يمكننا أن نميّز بين الأشخاص، لاسيّما إن كانوا غرباء أو حتّى أعداء، لأنّنا جميعًا في نظر الله أبناء. عندما ننظر إلى الأخ، نحن نرى فيه الاستعداد لقبول النّعمة الّتي يقدّمها الرّبّ له.
في مقطع آخر، يسخط الرّبّ على قساوة قلوب معاصريه الّذين لا يفهمون اهتمام يسوع بتحرير امرأة كانت مقيّدة بروح شرّير لسنوات عديدة. أمّا أنتم فكونوا مستعدّين على الدّوام لكي تباركوا وتحرِّروا، وعندما تشعرون بالشّلل في أيديكم الّتي مسحها الرّبّ مدّوها بثقة مثلما فعل الرّجل ذو اليد الشلاء في إنجيل مرقس. هذا ما فعله يسوع على الصّليب، وطبع آفتنا على قلبه وذراعه، وهدم بمحبّته موتنا وعبر بآلامه الهاوية الّتي كانت تفصلنا عن الله. لذلك كونوا شجعانًا وغير أنانيّين ولا تتعبوا من حمل الرّحمة الإلهيّة الّتي أفاضها الرّبّ فيكم بسخاء باختياره لكم لهذه الخدمة. ليبارككم الرّبّ ولتحفظكم العذراء القدّيسة.”