سلّم البابا فرنسيس، خلال كونسيستوار عاديّ عامّ، القبّعة الكارديناليّة لـ21 كاردينالًا جديدًا عصر السّبت، في البازيليك الفاتيكانيّة.
وللمناسبة كانت للأب الأقدس عظة قال فيها بحسب “فاتيكان نيوز”: “يسوع يصعد نحو أورشليم. لكنّه ليس صعودًا إلى مجد هذا العالم، بل إلى مجد الله، الّذي يتطلّب النّزول إلى أعماق الموت. ففي المدينة المقدّسة، في الواقع، سيموت على الصّليب ليعيد لنا الحياة. ومع ذلك، نجد أنّ يعقوب ويوحنّا، اللّذين يتخيّلان مصيرًا مختلفًا تمامًا لمعلّمهما، يطلبان منه أن يمنحهما مكاني شرف: “اِمنَحْنا أَن يَجلِسَ أَحَدُنا عن يَمينِك، والآخَرُ عَن شِمالِكَ في مَجدِكَ”.
يُبرز الإنجيل هذا التّناقض المأساويّ: بينما يسلك يسوع درب صعود شاقّ سيقوده نحو الجلجلة، يفكّر التّلاميذ في درب ممهٍّد وسهل لمسيح منتصر. لا يجب أن نتشكّك من هذا الأمر، بل علينا أن ندرك بتواضع أنّه– كما يقول مانزوني– “هكذا هو الحال مع هذا التّشابك المعقّد للقلب البشريّ”. وقد يحدث هذا لنا أيضًا: أن يضلّ قلبنا الطّريق، ويسمح بأن يجذبه بريق المكانة، وإغراء السّلطة، وحماس بشريّ جدًّا لربّنا. لهذا السّبب، من المهمّ أن ننظر في داخلنا، ونقف بتواضع أمام الله وبصدق أمام ذواتنا، ونسأل أنفسنا: إلى أين يتّجه قلبي؟ في أيّ اتّجاه يسير؟ هل أُخطئ الطّريق؟ يحذّرنا القدّيس أوغسطينوس قائلًا: “لماذا تسلكون طرقًا خالية؟ عودوا من تيهكم الّذي أخرجكم عن الطّريق؛ عودوا! إلى أين؟ إلى الرّبّ. ولكن الأمر مبكر: عُد أوّلًا إلى قلبك […] عُد، عُد إلى قلبك، […] لأنّ هناك صورة الله؛ في أعماق الإنسان يسكن المسيح، وفي داخلك أنت تُجدَّد بحسب صورة الله”. وبالتّالي علينا أن نعود إلى القلب لكي نسير مجدّدًا على درب يسوع عينها، هذا ما نحتاج إليه. واليوم، بشكل خاصّ، أودّ أن أقول لكم، أيّها الإخوة الأعزّاء الّذين ستصبحون كرادلة: احرصوا جيّدًا على أن تسيروا على درب يسوع. ماذا يعني هذا؟
إنَّ السّير على درب يسوع يعني، أوّلًا، العودة إليه ووضعه مجدّدًا في محور كلّ شيء. في الحياة الرّوحيّة كما في الحياة الرّعويّة، نحن نخاطر أحيانًا بأن نُركِّز على الجوانب الثّانويّة وننسى الجوهريّ. غالبًا ما تحتلّ الأمور الثّانويّة مكان الضّروريّات، وتتفوّق المظاهر على ما هو مهمّ حقًّا، ونغرق في نشاطات نعتبرها ملحّة بدون أن نصل إلى القلب. بينما، نحن بحاجة دائمًا إلى أن نعود إلى المحور، وأن نستعيد الأساس، ونتجرّد ممّا هو زائد لكي نلبس المسيح. حتّى كلمة “كاردينال” باللّغة الإيطاليّة تذكّرنا بذلك، إذ تشير إلى المحور الّذي يدور عليه مصراع الباب: إنّه نقطة ثابتة تدعم وتعضد. وهكذا، أيّها الإخوة الأعزّاء: يسوع هو نقطة الدّعم الأساسيّة، ومحور الجاذبيّة لخدمتنا، “النّقطة المحوريّة” الّتي توجّه حياتنا بأكملها.
إنَّ السّير على درب يسوع يعني أيضًا تعزيز شغف اللّقاء. فيسوع لا يسير أبدًا وحده؛ وعلاقته بالآب لا تعزله عن أحداث وآلام العالم. بل على العكس، لأنّه قد جاء لكي يشفي جراح الإنسان، ويخفّف أعباء قلبه، ويزيل ثقل الخطيئة، ويكسر قيود العبوديّة. وهكذا، على طول الدّرب، يلتقي الرّبّ بوجوه الأشخاص الّذين تطبعهم الآلام، ويقترب من الّذين فقدوا الرّجاء، ويرفع الّذين سقطوا، ويشفي المرضى. إنّ دروب يسوع مليئة بالوجوه والقصص، وبينما يمرّ، هو يمسح دموع الباكين، “يشفي منكسري القلوب ويضمّد جراحهم”.
مغامرة الطّريق، فرح اللّقاء بالآخرين، والعناية بالأكثر ضعفًا: على هذه الأمور أن تحرِّك خدمتكم ككرادلة. كما قال الأب بريمو ماتزولاري: “على الطّريق بدأت الكنيسة؛ وعلى طرقات العالم تستمرّ الكنيسة. لكي تدخلوها لستم بحاجة لكي تقرعوا الباب ولا إلى حجرة انتظار. سيرو وستجدونها؛ سيروا وستكون إلى جانبكم؛ سيروا وستكونون في الكنيسة”.
إنَّ السّير على درب يسوع يعني أيضًا أن تكونوا بناة للشّركة والوحدة. فبينما تهدّد المنافسة داخل جماعة التّلاميذ بتدمير الوحدة، فإنّ الدّرب الّذي يسيره يسوع يقوده إلى الجلجلة. وعلى الصّليب، يُتمِّم المهمّة الّتي أوكلت إليه: ألا يهلك أحد، وأن يُهدَم الجدار الفاصل للعداوة، وأن نكتشف جميعًا بأنّنا أبناء للآب عينه وإخوة لبعضنا البعض. ولهذا، عندما ينظر الرّبّ إليكم، أنتم الّذين تأتون من قصص وثقافات متنوّعة وتمثّلون كاثوليكيّة الكنيسة، هو يدعوكم لكي تكونوا شهود أخوَّة، وصُنّاع شركة، وبناة وحدة.
عندما تحدّث القدّيس بولس السّادس إلى مجموعة من الكرادلة الجدد، أشار إلى أنّنا مثل التّلاميذ قد نستسلم أحيانًا لتجربة الانقسام. ولكنَّ: “الشّغف الّذي نضعه في السّعي نحو الوحدة هو ما يميّز التّلاميذ الحقيقيّين للمسيح”. وأضاف: “نرغب في أن يشعر الجميع بالرّاحة داخل الأسرة الكنسيّة، بدون استثناءات أو عزلة تضرّ بالوحدة في المحبّة، وألّا يكون هناك سعي لتفضيل البعض على حساب الآخرين. […] علينا أن نعمل ونصلّي ونتألّم ونناضل لكي نشهد للمسيح القائم من الموت”.
إذ يحرّككم هذا الرّوح، أيّها الإخوة الأعزّاء، ستصنعون الفرق؛ وفقًا لكلمات يسوع الّذي في حديثه عن التّنافس المدمّر في هذا العالم قال لتلاميذه: “أمّا أنتم، فلا يكون الأمر كذلك بينكم”. وكأنّه يقول: اتبعوني، على دربي، وستكونون مختلفين؛ ستكونون علامة منيرة في مجتمع مهووس بالمظاهر والسّعي إلى المراتب الأولى. “أمّا أنتم، فلا يكون الأمر كذلك بينكم”، يكرّر يسوع: أحبّوا بعضكم بعضًا بمحبّة أخويّة وكونوا خدّامًا لبعضكم البعض، خدّامًا للإنجيل. على درب يسوع، لنسر معًا. بتواضع، ودهشة، وفرح.”