ترأّس البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي قدّاس أحد نسب يسوع في بكركي حيث ألقى عظة بعنوان “كتاب يسوع المسيح، ابن داود ابن ابراهيم” (متّى 1: 1)، قال فيها:
“1. في هذا الأحد السّابق لميلاد ابن الله منذ الأزل، إنسانًا في الزّمن بالجسد من البتول مريم بفعل الرّوح القدس، تتلو الكنيسة إنجيل نسب يسوع المسيح إلى العائلة البشريّة، انحدارًا من إبراهيم وداود، وصولًا إلى يوسف رجل مريم الّتي ولد منها يسوع. في البشارة لمريم والبيان ليوسف، انكشف لنا سرَّ المسيح أنّه ابن الله. أمّا في انجيل نسبه فهو ابن الإنسان. فابن الله صار إنسانًا بالمشاركة والتّضامن مع البشريّة جمعاء، من أجل فداء جميع النّاس وخلاصهم. في هذا اليوم، على كلّ واحد وواحدة منّا أن يقول: “من أجلي شخصيًّا صار ابن الله إنسانًا لفدائي الشّخصيّ وخلاصي”.
2. يسعدني أن أرحّب بكم جميعًا لنحتفل معًا بهذه اللّيتورجيا الإلهيّة. وأوجّه تحيّة خاصّة إلى والدة المرحوم المونسنيور توفيق بو هدير وشقيقيه وعائلتيهما وأعمامه وعمّاته وخالاته وعائلاتهم، وخالاته وسائر أنسبائه، فيما نحيي الذّكرى السّنويّة الثّالثة لوفاته. فنصلّي في هذه الذّبيحة الإلهيّة لراحة نفسه معهم ومع مكتب راعويّة الشّبيبة في الدّائرة البطريركيّة الّذي تولّى تنسيقه فكان حبيب الشّبيبة وكاهن الشّبيبة، فيبقى ذكره حيًّا في القلوب، وحاضرًا مع الشّبيبة الّتي أحبّها.
ونوجّه تحيّة إلى أهالي الأبوين الأنطّونيّين، الأب ألبير شرفان والأب سليمان أبي خليل اللّذين خطفا من دير القلعة في بيت مري يوم 14 تشرين الأوّل 1990 بعد يوم على الاجتياح العسكريّ السّوريّ في 13 تشرين الأوّل، ولم يعلم أحد عن مصيرهما. فإنّ أهلهما يحمّلان الدّولة اللّبنانيّة مسؤوليّة الكشف عن مصيرهما خصوصًا بعد سقوط نظام بشّار الأسد. ونحن بدورنا نطالب المعنيّين بالبحث عن الأبوين، فمن حقّ أهلهما واهل كلّ مفقود ومن حقّ العدالة معرفة مصيرهما ومصير كلّ مخطوف لبنانيّ في السّجون السّوريّة.
3. كتاب يسوع المسيح ابن داود أيّ إنّه المسيح الملك الجديد المنتظر، وابن إبراهيم أيّ محقّق مواعيد الله الخلاصيّة لإبراهيم. وهو عمّانوئيل، “إلهنا معنا” (متى 1: 23). وبالنّسبة للإنجيليّين الأربعة، رآه يوحنّا الرّسول في رؤياه، متمثّلًا بوجه إنسان في إنجيل متّى الّذي يبدأ بإظهار وَجهه الإنسانيّ المنتمي إلى سلالة البشر؛ وبوجه أسد في إنجيل مرقس الّذي افتتح انجيله “بصوت يوحنّا الصّارخ: في البريّّة أعدّوا طريق الرّبّ”؛ وبوجه عجل في إنجيل لوقا الّذي يبدأ إنجيله بميلاد يسوع في مذود؛ وبوجه نسر في إنجيل يوحنّا الّذي حلّق في سماء كلمة الله (رؤيا 4: 2-3، 6-7).
4. نجد في الإنجيل نسبين ليسوع: الأوّل في إنجيل متّى انحداريّ من إبراهيم إلى يوسف رجل مريم. والثّاني في إنجيل لوقا تصاعديّ من يوسف إلى آدم الذّي هو من الله (لو 3: 23-38). القدّيس متّى قصد التّأكيد أنّ يسوع هو المسيح المنتظر من سلالة داود الملك، ومحقّق مواعيد الله الخلاصيّة لإبراهيم. أمّا القدّيس لوقا فيكمّل رؤية متّى، مبيّنًا أن يسوع هو آدم الجديد، وأبو البشريّة جمعاء المفتداة، ومخلّص جميع البشر من أيّ عرق أو دين كانوا. ويتفرّد لوقا (2/1-7) بالحديث عن تسجيل يسوع مع أبيه وأمّه، في الإحصاء الّذي اضطرّ يوسف ومريم الحبلى بيسوع على السّفر من النّاصرة إلى مدينة داود للاكتتاب. وفي هذه الأثناء ولد الطفل في بيت لحم وسجّل في أسرة يوسف ومريم: “يسوع بن يوسف الّذي من النّاصرة” (يو 1/ 45). هذا يعلن بوضوح انتماء يسوع إلى الجنس البشريّ، إنسانًا بين النّاس، من سكّان هذا العالم، خاضعًًا للشّريعة وللمؤسّسات المدنيّة، ولكن مخلّصًا للعالم أيضًا. “وهذا الّذي اكتتب في الإحصاء المسكونيّ مع البشريّة جمعاء، إنّما أراد أن يُحصي النّاس أجمعين معه في سفر الأحياء، ويسجّل في السّماوات مع القدّيسين كلّ الّذين يؤمنون به.
5. أمّا مجموعة الأجيال الثّلاثة فترمز إلى مسيرة شعب الله نحو المسيح، الّذي هو محور البشريّة والتّاريخ. المجموعة الأولى من إبراهيم إلى داود هي مسيرة الإيمان من إبراهيم حتّى تنظيم الملوكيّة مع داود وهي عهد البطاركة؛ المجموعة الثّانية من داود إلى سبي بابل هي رمز الخطيئة وهي عهد الملوك؛ المجموعة الثّالثة من سبي بابل إلى المسيح هي رمز وعد الله الّذي ما زال قائمًا، لأنّ الله صادق في الوعد وفي أمانته إلى الأبد، حتّى تحقّق الوعد في المسيح، وهي عهد ما بعد المنفى (السّبي).
6. نتطلّع مع اللّبنانيّين إلى يوم التّاسع من شهر كانون الثّاني المقبل، حيث يلبّي السّادة النّوّاب دعوة رئيس المجلس إلى انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة، بعد سنتين وشهرين من الفراغ المخزي والّذي لا مبرّر له في الدّستور. إنّنا نصلّي لكي يختار نوّاب الأمّة رئيس البلاد الأنسب بمواصفاته لهذه الحقبة التّاريخيّة المميّزة. تحتاج البلاد إلى رئيس ينعم بالثّقة الدّاخليّة والخارجيّة، رئيس يؤمن بالمؤسّسات ويفعّلها، رئيس قادر على النّهوض الاقتصاديّ وإعادة إعمار المنازل المهدّمة في مختلف المناطق اللّبنانيّة، ولاسيّما في الجنوب اللّبنانيّ والضّاحية والبقاع ومنطقة بعلبك وسواها، رئيس يحرّك إصلاح البنى والهيكليّات، رئيس يصنع الوحدة الدّاخليّة بين المواطنين.
7. فلنصلِّ، أيّها الإخوة والأخوات، على هذه النّيّة، فيلهم الله الكتل النّيابيّة على حسن اختيار الرّئيس. فإنّه سميع مجيب، له المجد والشّكر الآن وإلى الأبد، آمين.”