لمناسبة توتاجده في باريس بدعوة من الرّئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون من أجل المشاركة في إعادة افتتاح كاتدرائيّة نوتردام دو باريس، ترأّس البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي القدّاس الإلهيّ في أحد مولد يوحنّا.
وألقى بعد الإنجيل المقدّس عظة بعنوان “اسمُهُ يوحنّا”، جاء فيها:
“يوحنّا المعمدان، هذا النّبيّ الجديد يُعلن المسيح، يُهيِّئ الطّريق بالدّعوة إلى التّوبة، ويشهد له أنّه فادي الإنسان، “كحملٍ جديدٍ يحملُ خطايا العالم” (يو1: 29).
فطوبى للّذين يسمعون كلام الله ويعملون به.
تحتفل الكنيسة بعيدين كبيرين،عيد مولد يوحنّا المعمدان وعيد سيّدة الحبل بلا دنس.
عيد مولد يوحنّا المعمدان هو عيد الرّحمة. اسمه يوحنّا أيّ الله تحنّن، الله رحوم. أجل، يوحنّا المعمدان ظهر رحمة أمام المسيح الرّبّ سبقَهُ بستّة أشهر وكان بمثابة الفجر قبل طلوع الشّمس- هذا يوحنّا المعمدان الّذي نحتفل بمولده اليوم هو يحمل اسم الرّحمة، والرّحمة تجسّدت واسمها يسوع المسيح، ونحن كمسيحيّين مدعوّون أبناء وبناة الرّحمة.
عالمنا بحاجة إلى رحمة- الرّحمة الّتي نحن بحاجة إليها نتعلّمها من الله الّذي بطبيعته رحوم- في الكتاب المقدّس في العهد القديم، كلمة رحمة تعني كلمتين حاساد في العبريّة وتعني أنّ الله رحوم بذاته وأنّه أمين لذاته، فمهما فعل الإنسان من شرّ تبقى رحمة الله أكبر من شرّ البشر .
أجل، فلنرجع إلى رحمة الله ملتمسين رحمته ونكون أبناءه الرّحمة في مجتمعنا. هذه هي الثّقافة الّتي نتعلّمها اليوم أن نكون رحومين.
في عظة الجبل منحنا الرّبّ يسوع تسع تطويبات، تطويبة فيها يقول: “طوبى للرّحماء إنّهم يرحمون. نعم، طوبى للرّحماء هي برنامج حياتنا- الرّحمة هي ثقافتنا.
والإسم الثّاني أنّ الله رحوم باللّغة العبريّة رحاميم أيّ رحومٌ من أحشائه- رحاميم نسبة إلى رحم الأم- الله يحبّ من صميم أحشائه يحبّ الإنسان و يرحمه من صميم أحشائه.
نصلّي اليوم لكي نكون جماعة رحمة نعود إلى الله ملتمسين رحمته علينا من أجل خطايانا وشرورنا ونعيش في مجتمعنا ثقافة الرّحمة.
العيد الثّاني عيد سيّدة الحبل بلا دنس أيّ أمّنا مريم العذراء ولدت معصومة من خطيئة آدم الّتي يولد فيها كلّ إنسان فتدخل الله بسرّ تدبيره وعصم مريم منذ اللّحظة الأولى من تكوينها في حشى أمّها معصومة من خطيئة آدم وهكذا كان استحقاق مريم استباق لاستحقاقات يسوع المسيح.
ولدت مريم معصومة من الخطيئة الأصليّة، وهكذا نقول عيد الحبل بلا دنس أيّ حُبل بها معصومة من اللّحظة الأولى لتكوينها بيولوجيِّّا في حشى أمّها ولدت معصومة من خطيئة آدم.
هكذا آمنت الكنيسة منذ البداية أمّا عقيدة الحبل بلا دنس فقد أعلنها الطّوباويّ البابا بيوس التّاسع سنة ١٨٥٤، عقيدة إيمانيّة أنّ مريم معصومة من خطيئة آدم، وبعد أربعة سنوات من إعلان هذه العقيدة، ظهرت مريم في سيّدة لورد للقدّيسة برناديت الّتي سألتها ما اسمك أيّتها السّيّدة الجميلة؟ فقالت أنا الحبل بها بلا دنس.
نصلّي اليوم لكي نعيش اليوم بالمعموديّة عصمنا من الخطيئة الأصليّة، لكي نعيش أوفياء
في الإنجيل الّذي سمعناه، إنتقل الرّبّ يسوع من أمومة مريم الجسديّة إلى أمومتها الرّوحيّة فعندما صرخت وقالت لها طوبى للبطن الّذي حملك والثّديين اللّذين أرضعوك، أجاب يسوع بالطّوبى للّذين يسمعون كلمة الله ويعملون بها وهكذا فسّر أنّ أمومة مريم له قبل أن تكون أمومة بالجسد هي أمومة بالرّوح. أجل كلمة الله في عقلها وفي قلبها الإيمان والرّجاء والحبّ أصبحت جنينًا في حشاها اسمها يسوع المسيح. نحن أيضًا نسمع كلام الله ونعمل به نعطي حضورًا ووجودًا ييسوع المسيح في مجتمعنا.
من خلال هذين العيدين، نحن نستمرّ في مسيرتنا نحو عيد الميلاد الّذي نتمنّاه جميعًا عيدًا مباركًا. ودعوني في هذا الوقت أن أخبركم عن أنّ زيارتي إلى باريس جاءت بدعوة من الرّئيس مكرون لحضور إعادة افتتاح كنيسة نوتردام في باريس وبهذه المناسبة أودّ أن أقول لكم إنّ الرّئيس مكرون أراد في كلّ ما صنع معي من تكريم وحفاوة واحتفاء، أن يكرّم لبنان وقال لي لبنان في قلبي ثلاث مرّات وأجبته هذا ظاهر ومعروف حضرة السّيّد الرّئيس.
نصلّي من أجل فرنسا كي تظلّ هذا البلد الّذي يستقبلنا بهذه الأعداد ويستقبل غيرنا ويبقى بلد الخير وبلد التّقدّم وبلد الأخوّة بلد القيم الرّوحيّة والأخلاقيّة. آمين.”