رفع البطريرك المارونيّ مار بشارة بطرس الرّاعي، في الفاتيكان، الإثنين، الشّكر لله على تقديس الأخوة المسابكيّين، في قدّاس ترأّسه لأجل سلام لبنان والشّرق والعالم.
شارك في الاحتفال كلّ البطاركة والأساقفة الكاثوليك والأساقفة الموارنة وأساقفة من روما وسفراء دول وكهنة وعلمانيّون ومؤمنون.
بعد الإنجيل المقدّس، ألقى الرّاعي عظة بعنوان “من يعترف بي أمام النّاس، يعترف به ابن الإنسان أمام ملائكة الله” (لوقا ۱۲، ۸)، قال فيها:
“1. إعترف القدّيسون الإخوة الثّلاثة المسابكيّون: فرنسيس وعبد المعطي وروفائيل بالمسيح أمام السّفّاحين قتلتهم، وقدّموا شهادة الدّمّ قائلين: “نحن مسيحيّون ونريد أن نحيا ونموت مسيحيّين”، وهكذا اعترفوا بالمسيح أمام قتلتهم، فاعترف بهم المسيح أمام ملائكة الله” (لو ۱۲، ۸)، فرفعتهم الكنيسة في عهد السّعيد الذّكر البابا بيوس الحادي عشر في ١٠ تشرين الأوّل ١٩٢٦ على المذابح طوباويّين، وأمس الأحد سجّل قداسة البابا فرنسيس أسماءهم في سجلّ القدّيسين، وأعلن تكريمهم في الكنيسة الكاثوليكيّة جمعاء.
وها هم يتلألؤون كالشّمس في ملكوت أبيهم (متّى ١٣: ٤٣).
2. نرفع اليوم قدّاس الشّكر الله على القدّيسين الشّهداء الثّلاثة الجدد، وهم أوّل علمانيّين يكتب قداسة البابا أسماءهم في سجلّ القدّيسين بموجب القوانين الكنسيّة الحديثة. وترفع صلاة الشّكر لقداسة البابا فرنسيس لكي يعضده الله ويؤيّده في قيادة كنيسة الله في الظّروف الصّعبة للغاية الّتي تمرّ فيها، وترفعها ذبيحة شكران للقدّيسين الجدد لكونهم يشكّلون قبلة فرح ورجاء في جبين الكنيسة المارونيّة عامّة، وفي جبين أبرشيّة دمشق المارونيّة الّتي ينتمون إليها مشكّلين فخرها واعتزازها، وهم في الوقت عينه علامة رجاء لها ولسوريا ككلّ وللبنان.
3. القدّيسون الإخوة المسابكيّون الثّلاثة هم أوّل قدّيسين علمانيّين رفعتهم الكنيسة على مذابحها بموجب قوانينها الحديثة، وهم مفخرة للعلمانيّين المدعوّين هم أيضًا إلى القداسة، أكانوا متزوّجين أم متبتّلين، أرباب عائلات أو غير متزوّجين. إنّهم متمثّلون في القدّيسين الإخوة المسابكيّين: فكبيرهم فرنسيس كان متزوّجًا وأبًا لثمانية أولاد، وثانيهم عبد المعطي متزوّجًا وأبًا لخمسة أولاد، وثالثهم روفائيل كان بتولًا.
4. وهم عاشوا حياة مسيحيّة مثاليّة ففرنسيس تاجر الحرير المعروف بنزاهته في دمشق ولبنان، وصاحب ثروة كبيرة نالها بضميره المهنيّ الحيّ، وكان رجل صلاة يوميّة، ويحضّر القدّاس الإلهيّ ويتناول جسد الرّبّ كلّ يوم مع عبادة خاصّة للسّيّدة العذراء. وقد ظهرت الفضائل المسيحيّة على محيّاه وفي كلامه وتصرّفاته وأعماله.
وعبد المعطي قضى حياته بالتّعليم والتّدريس في مدرسة الفرنسيسكان، وبشهادة ابنه نعمه، كان بعد صلاته اليوميّة الصّباحيّة، يذهب إلى كنيسة الفرنسيسكان، ويحضر القدّاس، وهو جاث على ركبتيه، ويتقدّم من سرّ المناولة الإلهيّة. ويوم خميس الأسرار مساءً يذهب إلى الكنيسة ويجثو على ركبتيه نصبًا إلى الصّباح، ويبقى في الدّير إلى ليل الأحد عند منتصف الليل، فيمضي إلى الكنيسة المارونية لأجل حضور القداس والمناولة الفصحية.
وروفائيل، رجل تقيّ يعيش في كنف إخوته. وكان مثال الطّهارة والبساطة المسيحيّة. كان يخدم عائلتي شقيقيه والرّهبان الفرنسيسكان الّذين كان يزورهم يوميًّا.
5. وتجلّى إيمانهم بالمسيح عند ساعة استشهادهم، فبعد أن لجأ الإخوة المسابكيّون الثّلاثة إلى دير الفرنسيسكان في ليل ۹ و۱۰ تموّز ١٨٦٠، دعاهم رئيس الدّير مع الرّهبان السّبعة إلى الكنيسة، حيث تلوا طلبة جميع القدّيسين، وقبل الحاضرون سرّ التّوبة، وأقاموا زيّاح القربان المقدّس وتناولوه، وطلبوا شفاعة العذراء مريم، وساعة الانقضاض عليهم، كان فرنسيس جاثيًا يصلّي في الكنيسة أمام الأمّ العذراء الحزينة. لم يتوقّف عن الصّلاة بالرّغم من تحديد المعتدين وطلبهم بإعلان إسلامه كي يسلم. وكذلك تحايلوا على شقيقيه، ولكن جواب الإخوة كان: “لا تخاف ممن يقتل الجسد، ولا يستطيع أن يقتل النّفس” (متّى ١٠، ۲۸). واستتبعوا جوابهم الكتابيّ هذا بإعلان إيمانهم الحرّ والمسؤول إذ قالوا: “نحن مسيحيّون ونريد أن نحيا ونموت مسيحيّين”، حينئذ هجم المضطهدون عليهم ومزّقوا أجسادهم بسلاحهم، وكان أعمارهم: فرنسيس في منتصف السّبعين وعبد المعطي في بداية السّبعين وروفائيل في السّادسة والخمسين.
6. فلنصلّ إلى الله، أيّها الإخوة والأخوات، لكي بشفاعة القدّيسين الجدد الإخوة المسابكيّين الثّلاثة، يمنحنا قداسة السّيرة وشجاعة الشّهادة لإنجيل المسيح وشخصه، ولكي يمنح سوريا ولبنان السّلام الحقيقيّ، العادل والشّامل، ويجعلنا صانعي السّلام له المجد والتّسبيح والشّكر الآب والابن والرّوح القدس، الآن وإلى الأبد. آمين.”