كان عيد التّجديد في أورشليم” (يو 10: 22)، تحت هذا العنوان ألقى البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي عظة قدّاس أحد تجديد البيعة الّذي ترأّسه في بكركي.
هذا العيد الّذي “هو عيد تجديد هيكل سليمان سنة 160 قبل المسيح، على يد الملك يهوذا وإخوته، بانتصارهم على أنطيوخوس الملك الوثنيّ، الّذي حوّله هيكلًا للأصنام.
ثمّ جدّده الربّ يسوع، يوم طرد منه الّذين يبيعون ويشترون، وقَلبَ طاولات الصّيارفة ومقاعد باعة الحمام، وقال لهم: “إنّ بيتي بيت صلاة يُدعى لجماعة الأمم، وأنتم جعلتموه مغارة لصوص” (مر 11: 15-17). بفعله هذا وقوله اختصر تعليمه عن هيكل الله بأنّه للصّلاة، ولجميع الأمم، ما يعني أنّ بيت الله هو للصّلاة، حيث يلتقي جميع النّاس لعبادة الله الواحد والوحيد. وبات العيد يُسمّى في العهد الجديد أحد تجديد البيعة، أيّ دعوة لإدراك سرّ الكنيسة، واللّجوء إلى ينابيع الخلاص الّتي فيها. فلا ننظر إليها كمجرّد طائفة ذات وجه اجتماعيّ فقط، ونتعامل معها على هذا الأساس”.
وتابع الرّاعي قائلًا: “يسعدني أن أرحّب بكم جميعًا، وأن نحتفل معًا في هذه اللّيتورجيا الإلهيّة، ونحن في بداية السّنة الطّقسيّة الجديدة الّتي تتأمّل فيها الكنيسة بأسرار الخلاص أحدًا بعد أحد، وزمنًا بعد زمن، وهي زمن الميلاد والدّنح، وزمن الصّوم الكبير وآلام المسيح وموته تكفيرًا عن خطايا البشريّة جمعاء، وزمن القيامة وبثّ الحياة الجديدة، وزمن حلول الرّوح القدس يوم العنصرة، وأخيرًا زمن الصّليب وفيه تذكار نهاية العالم ومجيء المسيح الثّاني في المجد كملك وديّان.
وأوجّه تحيّةً خاصّة إلى عائلة المرحومين صبحي ونديمة فخري اللّذين اغتالهما منذ عشر سنوات، أمام دارتهما في بلدة بتدعي البقاعيّة مجرمون كانوا يقصدون سرقة سيّارتهم، هربًا من الجيش. فكلّهم معروفون: بعضهم موقوف والبعض الآخر فارّ من وجه العدالة. نقدّم هذه الذّبيحة الإلهيّة لراحة نفسيهما، وعزاء أولادهما وأنسبائهما، ولإظهار العدالة الّتي فضّلها أولادهما على الثّأر عملًا بتعليم الإنجيل، تاركين الأمر للعدالة.
اليوم إذًا أحد تجديد البيعة طقسيًّا. ويعني تجديد الإيمان بالله وبالكنيسة المقدّسة، الواحدة، الجامعة، الرّسوليّة. فالكنيسة هي بيت الله كمكان تلتقي فيه الجماعة للصّلاة، وسماع كلام الله، وقبول أسرار الخلاص.
وهي بيت الله الرّوحيّ الحيّ المؤلّف من حجارة حيّة هم المؤمنون والمؤمنات بالمسيح، بحسب تعليم القدّيس بطرس الرّسول: “كونوا أنتم أيضًا كحجارة حيّة، بيتًا روحيًّا، لتصيروا جماعة كهنوتيّة مقدّسة، مبنيّة على الحجر الحيّ المختار عند الله يسوع المسيح” (1 بطرس 2: 4-5).
ويذهب بولس الرّسول إلى أبعد من ذلك بما كتب إلى أهل كورنتس: “أما تعلمون أنّكم هيكل الله، وأنّ روح الله يسكن فيكم. فمن يهدم هيكل الله يهدمه الله، لأنّ هيكل الله مقدّس وهو أنتم” (1 كور 3: 16-17).
عيد تجديد البيعة هو التّجدّد في الإيمان بيسوع المسيح الّذي يقول عن نفسه في إنجيل اليوم إنّه إبن الله، وإنّه المسيح الّذي قدّسه الآب وأرسله إلى العالم، وإنّه الرّاعي الّذي يعرف خرافه، ويحميها فلا يخطفها من يده أحد، وهي تعرفه تسمع صوته وتتبعه (يو 10: 27-28).
هذا التّجدّد في الإيمان يقتضي منّا ثلاثًا:
أوّلًا، جعل الإيمان مصدرًا لقوّتنا وفرحنا في نشر رسالة الإنجيل لخير البشريّة جمعاء،
ثانيًا، السّير على درب المسيح القائل: “أنا الطّريق والحقّ والحياة (يو 14: 6). فهو الطّريق إلى الحقيقة الّتي تنير وتحرّر. وهو طريق المؤمن إلى الحياة الّتي تنشله من موت الخطيئة وتشركه في الحياة الإلهيّة.
ثالثًا، الإرادة والرّغبة والحماس في تقاسم هبة الإيمان، بحيث يصبح كلّ واحدٍ وواحدة منّا معلنًا لإنجيل المسيح، من موقعه وحالته ومسؤوليّته، بغيرة بولس الرّسول القائل: “الويل لي إن لم أعلن الإنجيل” (1 كور 9: 16).
يوم تجديد الإيمان بالمسيح وبالكنيسة، هو تجديد يطال كلّ شخص بشريّ، بحيث يتجدّد في أفكاره وتصرّفاته ويتحرّر من عتيقه في أيّة حالة كان أو مسؤوليّة.
يسعدنا في هذا القبيل أن نهنّئ الولايات المتّحدة الأميركيّة بانتخاب رئيس جديد لها هو السّيّد دونالد ترامب، ونهنّئه شخصيًّا بانتخابه الّذي نرجوه فاتحة خير للبنان والمنطقة. فيتوصّل الرّئيس الجديد بالوسائل الدّيبلوماسيّة إلى وقف للنّار دائم بين إسرائيل وحزب الله، والتّعاون في إنتخاب رئيس جديد للجمهوريّة اللّبنانيّة بأسرع وقت ممكن، رئيسٍ يقود جميع المفاوضات بشأن لبنان، ويعيد المؤسّسات الدّستوريّة إلى حالها الطّبيعيّة.
إنّ فقدان السّنة الدّراسيّة في المدارس الرّسميّة والخاصّة المشغولة بالنّازحين أو الواقعة في أماكن الغارات والقصف الإسرائيليّ التّدميريّ المقصود، خسارة كبيرة تلحق بأطفالنا وشبابنا. ولذا يجب على الوزارة المعنيّة والحكومة إيجاد أمكنة أفضل للنّازحين، وتأمين التّربية والتّعليم حماية لأجيالنا الطّالعة.
ونضمّ صوتنا إلى صوت السّادة النّوّاب والشّخصيّات، في مناشدة منظّمة اليونسكو في حماية المواقع الأثريّة والتّاريخيّة في لبنان من الغارات الإسرائيليّة على بعلبك وصور وصيدا وغيرها من المواقع التّاريخيّة والأثريّة الّتي هي من التّراث العالميّ. إنّ حمايتها جزء من الحضارة الإنسانيّة الّذي ينتمي إلى تراثنا العالميّ والدّوليّ المشترك. وإنّ مهمّة منظّمة اليونسكو تعزيز السّلام من خلال التّعليم والعلوم والثّقافة، ومن هذا القبيل نوجّه إليها هذا النّداء.
ومن ناحية أخرى، بعيدًا من كلّ غاية، وبالنّظر فقط إلى خير البلاد ووحدة الجيش وتشجيعه في الظّروف الرّاهنة، نرى من الضّرورة القصوى التّمديد لقائد الجيش بسبب الظّروف الاستثنائيّة الرّاهنة وهي: الفراغ الرّئاسيّ في سنته الثّالثة، والحرب المتّسعة رقعتها في الجنوب وضاحية بيروت وبعلبك والهرمل وسواها، ووحدة الجيش، وتشجيعه، واستقراره، وتماسكه.
فلنجدّد، أيّها الإخوة والأخوات الأحبّاء، إيماننا بالمسيح مخلّص العالم وفادي الإنسان، وبالكنيسة سرّ الخلاص الشّامل، سائلين الله أن يجعلنا ثابتين في الرّجاء بأنّ منه الخلاص، والسّلام الدّائم والعادل والشّامل. له المجد والشّكر إلى الأبد، آمين”.