23 ديسمبر 2024
لبنان

خيرالله يتحدّث عن خبرة السّينودس في صورات 

مفتتحًا السّنة الدّراسيّة الجديدة في معهد التّثقيف الدّينيّ- صورات بقدّاس إلهيّ، نقل راعي أبرشيّة البترون المارونيّة المطران منير خيرالله خبرته في الدّورة الأخيرة لسينودس الأساقفة في روما. 

خبرته هذه عبّر عنها في عظة بعنوان: “فنصل بأجمعنا إلى وحدة الإيمان بابن الله… ونبلغ ملء قامة المسيح” (أفسس 4/13)، وقال: 

“أفتتح معكم اليوم السّنة الدّراسيّة 2024-2025 في معهد التّثقيف الدّينيّ في أبرشيّة البترون فيما أنا عائد من روما بعد خبرة سينودسيّة، إذ شاركت في الدّورة الثّانية والأخيرة لسينودس أساقفة الكنيسة الكاثوليكيّة إلى جانب قداسة البابا فرنسيس ومندوبين عن الكنائس في العالم– بطاركة وكرادلة وأساقفة وكهنة ورهبان وراهبات وعلمانيّين رجالًا ونساء.   

عملنا خلال ثلاث سنوات بمسيرة السّينودس الّتي لخّصها قداسة البابا فرنسيس في ختام أعمالنا قائلًا: لقد تعلّمنا في مسيرة السّنوات الثّلاث وفهمنا كيف نكون بطريقة أفضل كنيسة سينودسيّة، نحن شعب الله، جميع المعمّدين، نسير معًا ونعبر معًا من “ألأنا” إلى “النحن” فنكون حيث يريدنا الله أن نكون، رسلَ سلام وأنبياء رجاء وشهودًا للمغفرة والمصالحة.   

لذا أراد قداسة البابا فرنسيس أن يفتتح أعمال الدّورة الثّانية والأخيرة للسّينودس برتبة توبة مميّزة وخارجة عن المألوف طلب في خلالها المغفرة عن الخطايا الّتي ارتكبتها الكنيسة الكاثوليكيّة في تاريخها وحاضرها؛ “لأنّه كان من الضّروريّ، كما قال، أن نسمّي خطايانا الرّئيسيّة بأسمائها. إنّ الخطيئة هي على الدّوام جرح في العلاقات: العلاقة مع الله والعلاقة مع الإخوة والأخوات… وفقط من خلال علاج العلاقات المريضة يمكننا أن نصبح كنيسة سينودسيّة. كيف يمكن أن نكون صادقين في رسالتنا إذا لم نعترف بأخطائنا ولم ننحنِ لكي نعالج الجراح الّتي تسبّبنا بها بخطايانا؟ يبدأ علاج الجراح بالاعتراف بالخطيئة الّتي ارتكبناها”. “لا يمكننا أن ندعو إسم الله من دون أن نطلب المغفرة من الإخوة والأخوات، ومن الأرض ومن جميع المخلوقات. وكيف يمكننا أن نكون كنيسة سينودسيّة من دون مصالحة”. 

وأضاف متوجهًا إلينا جميعًا: “أدعوكم إلى أن تعرفوا بأنّ الكنيسة، الّتي يجب دومًا إصلاحها، لا يمكنها أن تسير وتتجدّد من دون الرّوح القدس الّذي يقود خطاها”. “السّير معًا هو عمليّة تتجدّد فيها الكنيسة باستمرار، مطيعةً لعمل الرّوح القدس، فتقرأ علامات الأزمنة وتعمل على اكتمال خدمتها الأسراريّة، لتكون شاهدة صادقة ليسوع المسيح وللرّسالة الّتي دُعيت إليها.”   

بعد ذلك انكبّ الجميع على العمل لمدّة شهر كامل، في حلقات مصغّرة وفي جلسات عامّة، لمناقشة وثيقة العمل الّتي وُضعت بين أيدينا، وهي حصيلة أعمال الدّورة الأولى الّتي عقدت في تشرين الأوّل 2023 والمشاورات الّتي تلتها.   

لقد تعلّمنا كيف نكون كنيسة سينودسيّة، وكيف نسير معًا ونصلّي معًا ونفكّر معًا، بحسب طريقة المحادثة بالرّوح. وهي طريقة تقضي أوّلًا بالإصغاء، إلى صوت الله وإلى بعضنا البعض، وثانيًا بالحوار الصّادق والصّريح والبنّاء في الاحترام المتبادل، وثالثًا بالتّمييز الواعي والمُلهَم من الرّوح القدس من أجل اتّخاذ القرارات الكنسيّة المناسبة بعد مشاروة شعب الله ومشاركته.   

وفي خلال مناقشاتنا في الحلقات ومداخلاتنا في الجلسات العامّة، تناولنا مواضيع متعدّدة، ومن أهمّها: الخِدم والمواهب والسّلطة في مسيرة الكنيسة السّينودسيّة. ممارسة السّلطة بالرّوح السّينودسيّة: المشاورة والمشاركة في المسؤوليّة والتّمييز. العلاقة بين الكنيسة اللّاتينيّة والكنائس الشّرقيّة الكاثوليكيّة. المسارات التّقريريّة في الكنيسة تنطلق في خطواتها الأولى من الصّلاة والاحتفال اللّيتورجيّ والإصغاء إلى كلمة الله وإلى صوت شعب الله. الكنيسة في رسالتها تأخذ في الاعتبار ثقافات الشّعوب المحلّيّة وتراث الدّيانات والحضارات المتعدّدة. أهمّيّة العالم الرّقميّ وكيفيّة التّعامل معه. مشكلة الهجرة والنّزوح وظاهرة انتقال أكثريّة سكّان العالم إلى السّكن في المدن وتعدّديّة الانتماءات الكنسيّة والاجتماعيّة والإتنيّة.   

وكان لموضوع التّنشئة حصّة كبيرة في أعمال الدّورة الثّانية كما في الدّورة الأولى.   

في الوثيقة الّتي صدرت عن الدّورة الأولى تشديد على ضرورة التّنشئة لشعب الله، جميع المعمّدين، بمن فيهم الأساقفة. فنقرأ: “ينبغي أوّلًا على كلّ معمّد أن يهتّم بتنشئته الخاصّة كجواب على عطيّة الرّبّ، لكي يستثمر الوزنات الّتي نالها ويضعها في خدمة الجميع. الوقت الّذي كرّسه الرّبّ يسوع لتنشئة التّلاميذ يكشف لنا أهمّيّة هذا العمل الكنسيّ… 

وفق المنهج السّينودسيّ، يُنشّأ شعب الله بكامله معًا فيما هو يسير معًا. إنّ التّنشئة بالرّوح السّينودسيّة تهدف إلى السّماح لشعب الله أن يعيش في العمل دعوته العماديّة الخاصّة، في العائلة، وفي أماكن العمل، وفي الأوساط الكنسيّة والاجتماعيّة والثّقافيّة، حتّى تجعل كلّ واحد قادرًا على المشاركة بطريقة فعّالة في رسالة الكنيسة، وذلك وفق مواهبه ودعوته الخاصّة”. (الفصل الرّابع عشر).   

أما الوثيقة النّهائيّة الّتي صدرت عن الدّورة الثّانية فتكرّس الفصل الخامس والأخير للتّنشئة، وفيه نقرأ:   

“شعب الله يحتاج إلى تنشئة ملائمة، لكي يستطيع أن يشارك في حياة الكنيسة ورسالتها؛ وبخاصّة تنشئة سينودسيّة، أيّ على الإصغاء لكلمة الله ولبعضنا البعض، وعلى الحوار الصّادق والصّريح والمحبّ، وعلى التّمييز لاتّخاذ القرارات الكنسيّة.”  

أمّا الهدف من التّنشئة فهو أن نحمل الإنجيل، أيّ بشارة الخلاص، إلى الخلق أجمعين، وأن نكون تلاميذ المسيح ونحمل معًا الرّسالة كي “نبلغ ملء قامة المسيح”، كما يقول القدّيس بولس في رسالته إلى أهل أفسس: “فهناك جسد واحد، وروح واحد، وربّ واحد، وإيمان واحد، ومعموديّة واحدة، وإله واحد أبٌ لجميع الخلق. وهو الّذي أعطى بعضهم أن يكونوا رسلًا، وبعضهم أنبياء، وبعضهم مبشّرين، وبعضهم رعاة ومعلّمين، ليجعل القدّيسين أهلًا للقيام بالخدمة لبناء جسد المسيح، فنصل بأجمعنا إلى وحدة الإيمان بابن الله ومعرفته ونصير الإنسان الرّاشد ونبلغ ملء قامة المسيح. (4/1-13). 

وهذا هو الهدف الّذي ننشده من معهد التّثقيف الدّينيّ الّذي أحييناه منذ سنتين ليلبّي حاجة ملحّة لدى أبناء وبنات أبرشيّتنا، وبخاصّة العلمانيّين والشّباب والصّبايا منهم، الّذين وعوا أهمّيّة التّنشئة المسيحيّة في كلّ أبعادها وهم يشعرون بضرورتها من أجل التّعمّق في إيمانهم والتّجذّر في تراثهم والوعي الكامل لهويّتهم والالتزام الجدّيّ بانتمائهم الكنسيّ والمجتمعيّ والوطنيّ اللّبنانيّ. فيكونوا الكوادر المنشّأة لتحمّل المسؤوليّات في الكنيسة وفي المجتمع. 

وإنّنا إذ نتمنّى النجاح لهذا المعهد، الّذي ينخرط في سلسلة ثلاثماية ألف معهد وجامعة للتّنشئة في الكنيسة الكاثوليكيّة حول العالم، نجدّد تقديم الشّكر أوّلًا لله، الآب والابن والرّوح القدس، ونكل مسيرتنا التّعليميّة إلى المعلّم الإلهيّ يسوع المسيح. ونشكر ثانيًا الخوري إيلي سعاده وفريق الكهنة والعلمانيّين من معلّمين وإداريّين، طالبين من الله أن يجعل منّا تلاميذ مرسَلين على مثال تلاميذ يسوع الّذي أرسلهم وقال لهم: “إنّي أوتيت كلّ سلطان في السّماء والأرض. فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم، وعمّدوهم باسم الآب والابن والرّوح القدس، وعلّموهم أن يحفظوا كلّ ما أوصيتكم به. وهاءنذا معكم طوال الأيّام إلى نهاية العالم”. (متّى 28/18-20).”