وجّه بطريرك الكلدان مار لويس روفائيل ساكو رسالة بمناسبة عيد الميلاد والسّنة الجديدة، وهذا نصّها بحسب إعلام البطريركيّة الرّسميّ:
“المجد لله في العلى وعلى الأرض السّلام” (لوقا 2/ 14)
هذه كلماتُ الرّجاء من السّماء لمستقبل البشريّة المُتعَبة.
وسط الحالة الاستثنائيّة الرّاهنة الّتي تعيشها شعوب المنطقة بقلق وخوف، يأتي احتفال المسيحيّين بعيد ميلاد المسيح، ميلاد الرّجاء وقِيَم الأُخُوَّة والمحبّة والسّلام والأمان والخير للجميع. رسالة المسيح كانت ولا تزال من أجل إنسانيّة أكثر صدقًا وبيئة تليق بالكرامة البشريّة. علينا أن نولد من جديد ونبدأ مسيرة جديدة..
وإذْ لا تُخفي الكنيسة الكلدانيّة قلقها ومخاوفها إزاء ما يجري، تؤكّد صلاتَها في أيّام عيد الميلاد، من أجل السّلام والأمان في المنطقة والعالم، وتُعبِّر عن تضامنها مع كلّ الّذين يعيشون ظروفًا صعبة وقلقة والحاجة في غزّة ولبنان وسوريا وفي أماكن أخرى.
إنطلاقًا من رسالة الميلاد للسّلام، تُناشد الكنيسة الكلدانيّة جميع قادة العالم للتّحلّي بالمسؤوليّة والشّجاعة، لايجاد حلولٍ سلميّة دائمة للصّراعات الدّائرة في المنطقة. حلول ترتقي إلى تطلّعات شعوبِها إلى أمن راسخ وإصلاح شامل، واستعادة حقوقهم وكرامتهم وسيادة بلدانهم.
الشّرق مهد الأنبياء وأرض الحضارات والأمجاد، يحتاج في هذه الظّروف العصيبة إلى العقلانيّة والحكمة والتّمييز وتضافر الجهود في تحقيق المصالحة الوطنيّة والمضيّ قُدمًا نحو مستقبل أفضل وليس الانجرار إلى مزيد من النّزاعات والانقسامات.
يقول البابا فرنسيس في رسالته بيوم السّلام العالميّ الّذي يُحتَفَل به في الأوّل من كانون الثّاني 2025: “لتكن سنة 2025 سنة ينمو فيها السّلام! السّلام الحقيقيّ والدّائم، الّذي لا يتوقّف عند مراوغات الاتّفاقيّات أو على طاولة أنصاف الحلول الإنسانيّة. لنسعَ إلى السّلام الحقيقيّ، الّذي يمنحه الله لقلب تجرَّد من السّلاح، وقلب يتغلّب على اليأس من أجل مستقبل، كلّه رجاء، يؤمن أنّ كلّ إنسان هو غنًى لهذا العالم”.
بخصوص العراق، ندعو للعودة إلى الهويّة الوطنيّة الجامعة: وبناء الدّولة على المواطنة، وفق أسس حديثة تضمن المساواة لجميع العراقيّين، وحصر السّلاح بيدها ومحاربة الفساد، ونبذ الطّائفيّة وروح الانتقام كما دعا سماحة المرجع الأعلى السّيّد علي السّيستاني، قبل أسابيع. تنوّع الهويّات الاثنيّة والدّينيّة الّتي هي مصدر غنى يجب احترامه. علينا أن نتّحد ونكتاتف ونعمل من أجل مصلحة بلدنا لأنّنا نتقاسم الوجود على أرضه.
مخاوف المسيحيّين، نحن مكوّن أساسيّ في النّسيج العراقيّ، يتجذَّر وجودنا عميقَا في تاريخ العراق (بلاد ما بين النّهرين)، نحن كلدان مملكة بابل العظيمة والمدائن (بغداد) وبيت الحكمة واشوريي امبراطوريّة نينوى وسريان تكريت ودير مار متّى.
المسيحيّون من المؤسّسين للعراق، وولاؤهم كان دومًا لبلدهم، وكانت لهم علاقة طيّبة مع المسلمين، لكنّهم عانوا الكثير في العقدين الأخيرين عانوا من نتائج هذه الصّراعات وارتفاع خطاب الكراهيّة (الّذي روَّجت له عناصر القاعدة وداعش)، والتّهميش والاستحواذ على مقدّراتهم وممتلكاتهم، ممّا دفع ثلثيهم إلى الهجرة وهم النّخبة.
نريد البقاء على أرضنا، وبعلاقة جيّدة مع الجميع، واستعادة حقوقنا ودورنا في بناء العراق الجديد وتوطيد العيش المشترَك، والتّواصل مع مواطنينا بعلاقات طيّبة، كوننا نحمل جميعًا نفس الهويّة. نأمل أن تُنصِفنا الحكومة الموقّرة بالأفعال وليس بالأقوال.
أخيرًا، لنرفع صلاتنا إلى الله في غمرة عيد الميلاد والعام الجديد 2025 ويوبيل السّنة المقدّسة سنة الرّجاء، ليَحلَّ السّلام والأمن والأمان للجميع كما يريد الله.
كلّ عام والعراق والعالم بخير.”