19 مايو 2025
لبنان

عرس كنسيّ في زحلة: تدشين كنيسة وافتتاح متحف!

ببركة بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للرّوم الأرثوذكس يوحنّا العاشر، ووسط قرع الأجراس في زحلة، وبحضور رسميّ يتقدّمه ممثّلون عن الرّئاسات الثّلاث المحلّيّة، وحضور دينيّ وإعلاميّ وشعبيّ، دُشّنت كنيسة سيّدة الفرح غير المنتظر ومتحف المتروبوليت نيفن صيقلي في عروس البقاع.

وللمناسبة، ترأّس خدمة صلاة التّكريس راعي أبرشيّة زحلة وبعلبك وتوابعهما للرّوم الأرثوذكس المتروبوليت أنطونيوس الصّوري، بمشاركة ممثّل البطريرك كيريل مسؤول العلاقات الخارجيّة في بطريركيّة موسكو وسائر روسيا المتروبوليت أنطونيو فولوكولامسك، وذلك بحضور ممثّل البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي، وبمشاركة باني الكنيسة المتروبوليت نيفن صيقلي ممثّل البطريرك يوحنّا العاشر، وراعي أبرشيّة صور وصيدا وتوابعهما المتروبوليت الياس كفوري وراعي أبرشيّة جبيل والبترون المتروبوليت سلوان موسى والمتروبوليت ألكسي من تشيليابينسك والمتروبوليت فكتور من بولجوجراد ورئيس أنطش الكنيسة الرّوسيّة في لبنان وسوريا والأرشمندريت فيليب فاسيلتسيف، ولفيف من الكهنة والشّمامسة من كنيستي أنطاكية وروسيا.

كما حضر المطارنة: إدوار ضاهر وحنّا رحمة وعصام يوحنّا درويش وإبراهيم مخايل إبراهيم ممثّلًا بالنّائب العامّ الأسقفيّ الأرشمندريت إيلي معلوف وبولس سفر ممثّلًا بالأب جورج بحي. وقد خدمت قدّاس التّدشين جوقة الأبرشيّة.

بعد ختام القدّاس الالهيّ، ألقى رئيس دير سيّدة البلمند البطريركيّ الأرشمندريت جورج يعقوب كلمة باسم البطريرك يوحنّا العاشر جاء في نصّها بحسب إعلام البطريركيّة:

“تفوق كنيسة المسيح الوقورة بمجدها الجَلَد العلويّ

ليس لأنّها تفوق ضياء النّور الحسّيّ

بل لأنّها تحمل شمس العدل المشرقة إلهيًّا

والّتي لا يعروها مساء

وتُطلع بأشعّتها كلام الرّوح نهارًا وليلًا كما يليق.

الّتي بها ينير عيونَ النّفس الإلهُ القائل ليكن نورٌ

وهو حياة الكلّ وقيامتهم

أصحاب السّيادة،

أيّها الأحبّة،

لم أجد أبلغ من هذه الكلمات الّتي قيلت منذ ألفٍ وخمسمائة عام في تدشين كنيسة الحكمة المقدّسة في القسطنطينيّة لوصف هذه الكنيسة المقدّسة الّتي تزرعها اليومَ في قلب زحلة يمينُ الله العليّ لتشعّ رونقًا على زحلة وعلى لبنان وعلى الشّرق والعالم ولتقول للدّنيا: نحن أبناءَ هذا المشرق، بكلّ أطيافنا، منزرعون فيه كالزّيتون. نحن صنّاع تاريخه ونحن زرّاع أرزه وزيتونه. نحن غَرَسَةُ أرزه وزيتونه ونحن فيه غرْسة خالق الأرز ومبدع الزّيتون.

نحن من أنوار ذاك القائل: “ليكن نورٌ”. وهذه لسان حال هذه الكنيسة الّتي تعكس بذهبيّة قببها ذهبيّة قلوب مؤمنيها ونصاعة قلب مؤسّسها المطران نيفن صيقلي. نحن من ضياء نورها لأنّها تحمل ضياء نور شمس العدل. نحن من فرحها الّذي يعكس فرح حاملات الطّيب لمرأى القبر الفارغ. ونحن من كنيسة أنطاكية المضرّجة بالتّاريخ والضّاربة في الحاضر والمتطلّعة إلى المستقبل بعيونٍ ترتجي ربّ المجد لا سواه.

من سيّدة الفرح في زحلة سلامُ قيامةٍ وفرحُ رجاء إلى لبنانَ والشّرق والعالم أجمع. من هذه الدّيار الّتي اصطبغت أوّلًا باسم المسيح فصبغت الدّنيا بأرجوان مُلكه السّماويّ سلامٌ وبشائر فرحٍ إلى كلّ المعمورة. من زحلة الّتي تعصر سُلاف كرومها للخالق سلامٌ للشّرق وللعالم المترنّح على أزيز الصّراعات. من مشرق مشارق دنيانا المستظلّ بثلج حرمون، من بقاعِ المحبّة وبعلبك المتعمّدة بالتّاريخ سلام قيامةٍ وومضُ فرحٍ أردناه اليوم من نبع مريم العذراء الّتي نكرّمها جميعًا مسلمين ومسيحيّين. ما أحوج عالمنا إلى فرح المسيح! وما أحوجه إلى سلامه الحقّ وسط ما يشهده من صراعات وحروب!

لعلَّ ما يميّز خدمة تكريس الكنائس كونُها على شاكلة المعموديّة إذ ما أردنا أن نقول. هناك حجرٌ يغسل وهناك ميرونٌ يدهن وهناك ماء يُسكب. ولعلّ الأجمل فيها هو قنديل الزّيت المضاء ليوضع حيث يوضع الإنجيل نور النّفسِ وكلمة الحياة المحيية. وهناك أيضًا ذخائر القدّيسين الّتي تُزرع في المائدة المقدّسة. ومن هنا نلحظ جمال هذه الخدمة الّتي تظهر أهمّيّة نورانيّة حياة الإنسان وكرامته لدى خالقه. زرعُ ذخائر القدّيسين يعني بالدّرجة الأولى أن الإنسان مدعوٌّ أن يكون مائدةَ الرّبّ الحقيقيّة. وعليه أيضًا أن يشعّ فضيلةً ونورًا تمامًا كالقنديل الّذي أضأناه ووضعناه على المائدة المقدّسة.

أيّها الأخ نيفن؛ أردتَها أن تكون سيّدةَ الفرح كنيسةً وضعنا حجر أساسها في أيلول 2019 وقد أعطانا الله مجدّدًا بركة تكريسها. ألا فلتفض عليك العذراء من فرح ابنها ولتحتضنك بحنانها الإلهيّ. ولتأخذ نعمتُه تعالى بيمينك وبيمين راعي الأبرشيّة المطران أنطونيوس الصّوريّ لتفيضا من فرح المسيح وتُترعا به قلوب أبناء زحلة والجوار.

وأمّا لمن أعطَوا وجادوا لتخرج هذه الكنيسة إلى النّور، فبركتهم بين ثنايا قول بولس الرّسول: “إنّ الله يحبّ المعطي المتهلّل”. بارككم الله جميعًا وأغدق عليكم من عطاياه السّماويّة وأجزل عليكم من ينبوع خيريّته الّذي لا ينضب.

أردتها، صاحب السّيادة، أن تكون في زحلة. ونحن نعرف مكانة زحلة في قلبك. وأنت الّذي حملتها معك إلى أقاصي الأرض. نرى فيك أصالة زحلة الّتي نحبّها ونعشقها ونرى فيها أصالة الإيمان ومحبّة المسيح على وجوه أبنائها. بوركت زحلة وبورك أبناؤها الّذين يعصرون سلاف قلبهم مع كروم حقولهم ويسكبونه محبّةً وسلامًا. نبارك لكم بالمتحف الّذي أردتموه ملحقًا بالكنيسة والّذي يحمل اسمكم بما تحملون أنتم من غيرةٍ ومحبّةٍ تتجسّدُ عراقةَ إيمانٍ وأصالةً أنطاكيَّةً فوّاحةً.

نكرّس هذه الكنيسة وعيننا على لبنان وصلاتنا إلى الله أن يدرأ عنه الحرب الّتي يطلّ شبحها بين الفينة والأخرى. نؤكّد ومن جديد على رسالة لبنان في العيش الواحد بين سائر الطّوائف ونشدّد أنّ مبدأ العدد والعدديّة يتلاشى أمام مبدأ الدّور والرّسالة. وهذا ما أراده الدّستور اللّبنانيّ الّذي تخطّى منطق العدد وآفة الأقلّيّة والأكثريّة إلى اعتماد مبدأ الدّور والرّسالة.

نكرّس هذه الكنيسة في قلب زحلة وعيوننا تشخص إلى الله بالصّلاة من أجل سوريا. دعوتنا وصلواتنا من أجل سوريا ومن أجل تثبيت قيم العيش الواحد بين سائر مكوّنات هذا البلد. دعوتنا من أجل أن يترسّخ في سوريا مجتمع التّعاضد والتّآزر واللّقيا والدّولة الدّيمقراطيّة الّتي تساوي بين جميع أبناء البلد وأطيافه ومكوّناته تحت سقف القانون.

نحن في البقاع والقلب يدمى لما يجري في فلسطين وفي غزّة تحديدًا. سلامٌ لغزّة ولأرواح شهداء غزّة ولشعبنا الفلسطينيّ الّذي يدفع من دماء أبنائه ضريبةَ مأساةٍ تدخل عقدها الثّامن. كلّ هذا والبعض يتسابق على دعم كيانٍ غاصب سلب الأرض وطرد النّاس من بيوتها. سلامٌ لفلسطين بكلّ بقاعها من الضّفّة الغربيّة إلى القدس إلى غزّة. ولو طالت المأساة إلّا أن قدر التّاريخ والجغرافية يقول إنّ الأرض هي للشّعب الأصيل الّذي حفظ إلى الآن مفتاح بيتٍ طُرد منه وحفظ إلى الآن رائحةَ ليمونٍ لم ينسَهْ.

ومن هنا أيضًا لا بدّ لنا أن نلفت إلى قضيّة مطراني حلب أخوينا يوحنّا إبراهيم وبولس يازجي المخطوفين منذ نيسان 2013 وسط صمتٍ مستنكر متدثّرٍ بمنطق مرفوض وكأنّ لا قيمة لإنسان هذا الشّرق الّذي تنتهك كرامته خطفًا وقتلًا وتشريدًا.

نكرّس هذه الكنيسة والقلب يدمى لما يجري بين روسيا وأوكرانيا. صلاتنا إلى أمّ المراحم وسيّدة الفرح أن توقف الحرب رأفةً بالإنسان النّازف جوعًا وروحًا وعنفًا وقتلًا وتشريدًا. نرفع الصّلاة من أجل إخوتنا في العالم السّلافيّ كلّه ونسأل ربّ المراحم أن يكون إلى جانب إخوتنا في الإيمان الّذين يقاسون ويدفعون ضريبة الصّراع العالميّ من أرواحهم. صلاتنا من أجل إخوتنا في الكنيسة الأرثوذكسيّة الأوكرانيّة الّذين يدفعون ضريبة إيمانهم إغلاق كنائسَ ومصادرة أملاكٍ وحظرَ ممارسةٍ عباديّةٍ.

نثمّن الدّور التّاريخيّ للكنيسة الرّوسيّة الّتي وقفت وتقف إلى جانب كنيسة أنطاكية منذ أيّام روسيا القيصريّة إلى يومنا الحاضر. نرحّب بالمتروبوليت أنطونيوس رئيس قسم العلاقات الخارجيّة في بطريركيّة موسكو وسائر روسيا مع الوفد المرافق. نرحّب بكم ونبعث من ههنا بأطيب تمنّياتنا إلى قداسة البطريرك كيريل بطريرك موسكو وسائر روسيا وعبره إلى سائر إخوتنا في الكنيسة الرّوسيّة. ونؤكّد أنّ كنيسة أنطاكية كانت وستبقى في فلك حقِّ يسوع المسيح الّذي تستمدّ من حقّه وحده قوّتها وتستند على رجائه لا على سواه لتبقى في هذا الشّرق ولتقرع فيه أجراسها رغم شظف التّاريخ ورغم صواعده ونوازله الكثيرة الّتي وإن كثرت فلن تزيدها إلّا التصاقًا بصدر السّيّد له المجد.

ولأبناء زحلة، جارة الوادي نقول: أنتم في القلب وزحلة في القلب وهي الّتي تعصر عنب كرومها لمن قال أنا الكرمة وأنتم الأغصان، له المجد والرّفعة أبد الدّهور آمين.”

من ثمّ، ألقى المتروبوليت نيفن كلمة شكر فيها البطريرك يوحنّا للكلمة التي تحمل إيمانًا عميقًا نابعًا من محبّته لأبناء الكنيسة وزحلة ولكنيسة روسيا الّتي تربطها بكنيسة أنطاكية روابط الأخوّة ومقدّمًا شرحًا عن كنيسة سيّدة الفرح الّتي كانت حلمًا بالنّسبة له منذ أكثر من ٦٥ عامًا وباتت اليوم جوهرة إيمانيّة، وشكر كلّ من ساعد في إنجازها.

بدوره، عبّر مسؤول قسم العلاقات الخارجيّة في بطريركيّة موسكو وسائر روسيا المتروبوليت أنطوني عن اعتزازه بهذا الصّرح الكنسيّ العالميّ، وأثنى على العلاقات الأخويّة بين كنيسة روسيا والمتروبوليت نيفن، وهنّأ أبناء زحلة ولبنان بكنيسة سيّدة الفرح غير المنتظر.

أمّا المتروبوليت الصّوريّ فشكر أيضًا البطريرك يوحنّا على كلمته القلبيّة، وأثنى على أهمّيّة بناء الكنيسة المتميّزة، شاكرًا المتروبوليت نيفن على هذا الإنجاز الّذي قدّمه لكلّ أبناء زحلة والشّعب المؤمن.

وفي الختام، تمّ تبادل الهدايا، ووزّعت أوسمة على من ساهموا في إنجاز الكنيسة.

بعدها توجّه الجميع إلى متحف المتروبوليت نيفن حيث تمّت إزاحة السّتارة عن اللّوحة التّذكاريّة، وجال الجميع في أرجائه، واطّلعوا على محتوياته الرّوحيّة الّتي تتجاوز الـ150 أيقونة يعود بعضها إلى أكثر من أربعمائة عام.

بعد تدشين الكنيسة وافتتاح المتحف، كانت مأدبة محبّة.