أكّد البابا فرنسيس على أهمّيّة الحوار اللّاهوتيّ في مسيرة الوحدة، “شرط ألّا ينفصل حوار الحقيقة عن حوار المحبّة وحوار الحياة”.
كلام البابا جاء خلال استقباله، يوم السّبت في الفاتيكان، كاثوليكوس بطريرك كنيسة المشرق الآشوريّة مار آوا الثّالث، واللّجنة المشتركة للحوار اللّاهوتيّ بين الكنيسة الكاثوليكيّة وكنيسة المشرق الآشوريّة، إذ ألقى كلمة للمناسبة جاء فيها بحسب “فاتيكان نيوز”:
“لقد بدأ ربّ الدّهور في هذه الأزمنة الأخيرة يسكب بغزارة أكبر في المسيحيّين المنفصلين عن بعضهم البعض التّوبة الدّاخليّة والرّغبة في الوحدة”. بهذه الكلمات استقبل قداسة البابا القدّيس يوحنّا بولس الثّاني قداسة مار دنخا الرّابع هنا بمناسبة أوّل لقاء رسميّ بين أسقف روما وكاثوليكوس بطريرك كنيسة المشرق الآشوريّة لأربعين سنة خلت. هذه الكلمات مأخوذة من قرار المجمع الفاتيكانيّ الثّاني في “الحركة المسكونيّة” – Unitatis redintegratio – استعادة الوحدة الّذي تحتفل الكنيسة الكاثوليكيّة بذكراه السّتّين هذا الشّهر.
لقد كانت “الرّغبة في الوحدة”، الّتي تمّ التّلميح إليها عدّة مرّات في القرار المجمعيّ، هي الّتي دفعت أسلافنا لكي يلتقوا. هذه “الرّغبة في الوحدة”، وفقًا للتّعبير الجميل للقدّيس يوحنّا كاسيان، هي نعمة ألهمت الحركة المسكونيّة منذ نشأتها ويجب أن ننمّيها باستمرار. وإذ يولِّدها الرّوح القدس، هي ليست سوى رغبة المسيح المتّقدة، الّتي عبّر عنها عشيّة آلامه “ليكونوا جميعًا واحدًا”. يا صاحب القداسة، أيّها الأخ العزيز، إنّ هذه “الرّغبة في الوحدة”، هي الّتي تحرّكنا اليوم، ونحن نحتفل بالذّكرى الثّلاثين للإعلان الكريستولوجيّ المشترك بين كنائسنا، والّذي وضع حدًّا لألف وخمسمائة عام من الجدل العقائديّ الّذي أحاط بمجمع أفسس. لقد اعترف هذا الإعلان التّاريخيّ بشرعيّة ودقّة التّعابير المختلفة لإيماننا الكريستولوجيّ المشترك كما صاغها الآباء في قانون الإيمان النّيقاويّ. وقد أصبح هذا النّهج “التّأويليّ” ممكنًا بفضل مبدأ أساسيّ أكّده القرار المجمعيّ، وهو أنّ الإيمان نفسه، الّذي سلّمه الرّسل، تمّ التّعبير عنه وقبوله بأشكال وطرق مختلفة وفقًا لظروف الحياة المختلفة.
إنَّ الإعلان الكريستولوجيّ المشترك بالتّحديد هو الّذي أعلن عن إنشاء لجنة مشتركة للحوار اللّاهوتيّ بين كنائسنا، والّتي أسفرت عن نتائج ملحوظة، على المستوى الرّعويّ أيضًا. وأودّ أن أذكر بشكل خاصّ اتّفاق عام ٢٠٠١ حول “نافور رسل آداي وماري” الّذي سمح للمؤمنين المعنيّين بنوع من الشّركة في الأسرار في ظروف معيّنة؛ وفي عام ٢٠١٧ الإعلان المشترك حول “الحياة الأسراريّة”. وفي الآونة الأخيرة، ومنذ سنتين، وضعت وثيقة حول “صور الكنيسة في التّقليد السّريانيّ واللّاتينيّ” الأساس لفهم مشترك لدستور الكنيسة.
لذلك، تتاح لي اليوم الفرصة لأشكركم جميعًا، أنتم اللّاهوتيّين أعضاء اللّجنة المشتركة، على التزامكم. في الواقع، لولا عملكم، لما كانت هذه الاتّفاقات العقائديّة والرّعويّة ممكنة. أرحّب بنشر كتاب تذكاريّ يتضمّن مختلف الوثائق الّتي تحدّد مراحل مسيرتنا نحو الشّركة الكاملة، مع مقدّمة مشتركة لي ولقداستكم. في الواقع، لا غنى عن الحوار اللّاهوتيّ في مسيرتنا نحو الوحدة، لأنّ الوحدة الّتي نتوق إليها هي وحدة في الإيمان، شرط ألّا ينفصل حوار الحقيقة عن حوار المحبّة وحوار الحياة. إنَّ هذه الوحدة في الإيمان قد بلغها قدّيسو كنائسنا. وهم أفضل مرشدينا على الدّرب نحو الشّركة الكاملة. لهذا السّبب، وبموافقة قداستكم وبطريرك الكنيسة الكلدانيّة، وبتشجيع أيضًا من السّينودس الأخير للكنيسة الكاثوليكيّة حول السّينودسيّة الّذي أشار إلى أنّ مثال قدّيسي الكنائس الأخرى هو “عطيّة يمكننا أن ننالها من خلال إدراج الاحتفال بتذكارهم في تقويمنا اللّيتورجيّ”، يسرّني أن أعلن أنّه سيتمّ إدراج القدّيس إسحق السّريانيّ أسقف نينوى، أحد أكثر آباء التّقليد السّريانيّ الشّرقيّ تبجيلًا، والمعترف به كمعلّم وقدّيس من قبل جميع التّقاليد المسيحيّة، في سنكسار الكنيسة الرّومانيّة.
ليشهد مسيحيّو الشّرق الأوسط، بشفاعة القدّيس إسحق السّريانيّ أسقف نينوى، وبالاتّحاد بشفاعة الطّوباويّة مريم العذراء، والدة المسيح إلهنا ومخلّصنا، دائمًا للمسيح القائم من بين الأموات في تلك الأراضي الّتي تمزّقها الحروب. ولتستمرّ في الازدهار الصّداقة بين كنيستينا، حتّى اليوم المبارك الّذي سنتمكّن فيه أن نحتفل معًا على المذبح عينه ونتناول من جسد ودم المخلّص عينه “لكي يؤمن العالم!”. شكرًا لك يا صاحب القداسة، وشكرًا لكم جميعًا على هذه الزّيارة. لنبقى متّحدين في الصّلاة المتبادلة.”