23 ديسمبر 2024
لبنان

ماذا يقول البطريرك ميناسيان في رسالته لعيد الاستقلال؟ 

في ذكرى استقلال لبنان، وجّه بطريرك بيت كيليكيا للأرمن الكاثوليك روفائيل بيدروس الحادس والعشرون ميناسيان، رسالة إلى اللّبنانيّين، كتب فيها: 

“نحتفل اليوم بعيد الاستقلال، لكن هذا الاحتفال يمرّ علينا في وطن معذّب، مجروح ومتألم، عانى وما زال يعاني من آثار الحروب، الّتي دمّرت بنيته، وأثقلت كاهل أبنائه. نزيف المعارك لا يزال يترك أثره في قلوبنا وفي شوارعنا، وأيضًا تهجير العائلات والشّهداء الّذين سقطوا. في هذه اللّحظة، نحتاج أن نجدّد العزم والإرادة لنعيد بناء هذا الوطن من ركام الألم، وأن نضع نصب أعيننا رسالة السّلام والمصالحة الّتي ستقودنا إلى مستقبلٍ مشرق. 

هذه الجراحات  تستصرخ ضمائرنا، وتدعونا جميعًا– مواطنين وقادة– للوقوف صفًّا واحدًا لإيقاف هذا النّزيف، ولتضميد جراح الوطن عبر المصالحة وبناء أسس الوحدة الحقيقيّة. فلا يمكن أن يُستعاد الاستقلال بمعناه العميق، إذا استمرّ شبح الحرب والانقسام يخيّم على سمائنا. 

في تاريخنا القريب، شهدت ساحة الشّهداء لقاءً تاريخيًّا، حيث توافد قادة هذا الوطن كافّة، بلا استثناء، للتّرحيب بالكاردينال أغاجانيان، الّذي كان يدعو بكلّ محبّة إلى المصالحة وتوحيد اللّبنانيّين. لقد جسّد الكاردينال بمواقفه ورسائله روح الحوار والوحدة، وعمل على تقريب القلوب وإعلاء مصلحة الوطن فوق كلّ اعتبار. إنّ استعادة هذا النّهج والعمل بروحه، هو ما نحتاجه اليوم أكثر من أيّ وقت مضى لنعيد اللّحمة الوطنيّة ونمضي في مسيرة المصالحة الحقيقيّة. 

إنّ غياب رئيس للجمهوريّة هو جرح مفتوح في قلب الوطن، وعقبة كبيرة أمام مسيرتنا نحو الاستقرار والازدهار. إنّ انتخاب الرّئيس ليس مجرّد استحقاق دستوريّ، بل هو مسؤوليّة جماعيّة تقع على عاتق كلّ من يدرك أهمّيّة إعادة بناء مؤسّسات الدّولة وتثبيت الاستقرار. الحياة الدّستوريّة هي العمود الفقريّ للدّولة، ومن دونها يتعثّر كلّ جهد لإصلاح البلاد وإنعاشه. لذا، بصفتنا الرّوحيّة ندعو جميع القوى السّياسيّة إلى وضع خلافاتها جانبًا، والعمل معًا، بإخلاص وتجرّد، لاختيار رئيس يكون رمزًا للوحدة ويسعى لتحقيق الخير لجميع اللّبنانيّين. إنّ لبنان يحتاج إلى قيادة وطنيّة جامعة، تعمل من أجل السّلام الدّاخليّ والتّفاهم، وتعيد إحياء مؤسّسات الدّولة وتفعيل دورها في خدمة الشّعب. 

لا يمكن للبنان أن ينهض إلّا بروح وطنيّة تجمعنا وتلهمنا لبذل الجهد في سبيل المصلحة العامّة، بعيدًا عن الحسابات الضّيّقة والمصالح الشّخصيّة. نحن بحاجة إلى أن نحبّ الوطن لأجل الوطن، لا لأجل مكاسب آنيّة أو منافع خاصّة. وحين نضع مصلحة لبنان فوق كلّ اعتبار، سنتمكّن من بناء مستقبل يليق بتضحيات الأجيال السّابقة وآمال الأجيال القادمة. 

لبنان يحتاج اليوم أكثر من أيّ وقت مضى إلى قادة يعملون يدًا واحدة، وقلبًا واحدًا، وإرادة واحدة لتحقيق الخير لجميع أبنائه. في هذه اللّحظات العظيمة، أذكّركم برموز ثقافتنا وهويّتنا، بفيروز الّتي توحّدنا بصوتها في كلّ المناسبات، وبمدينة بعلبك الّتي تقف شاهدةً على عراقة هذا الوطن وجماله. دعونا نعمل معًا، نحن اللّبنانيّين، متكاتفين، لنبني المستقبل الّذي نحلم به، ولنجعل من الاستقلال واقعًا يوميًّا نعيشه، لا مجرّد ذكرى نحتفل بها. 

نرفع اليوم صلواتنا إلى الله لكي يوحّد القلوب والعقول، ويعيد للبنان مجده واستقلاله الكامل، ليكون وطنًا يسوده السّلام، يعمّه العدل، وتظلّله المحبّة. 

كلّ عام وأنتم ولبنان بألف خير، وليبارك الرّبّ وطننا العزيز”.