23 ديسمبر 2024
الفاتيكان

ما هو العمل المواهبيّ للرّوح القدس؟ 

أجرى البابا فرنسيس صباح الأربعاء مقابلته العامّة توقّف فيها عند العمل المواهبيّ للرّوح القدس. 

وعن هذا الموضوع، قال بحسب “فاتيكان نيوز”: 

“لقد تحدّثنا في التّعاليم الثّلاث الأخيرة عن عمل الرّوح القدس المُقدِّس الّذي يتمّ في الأسرار وفي الصّلاة وباتّباع مثال والدة الإله. ولكن لنُصغِ إلى ما يقوله نصّ شهير من المجمع الفاتيكانيّ الثّاني: “إنّ الرّوح القدس لا يقدّس شعب الله ويرشده ويزيّنه بالفضائل بواسطة الأسرار والخدمات فقط، وإنّما أيضًا “موزّعًا على كلّ واحد مواهبه كما يشاء”. 

لقد حان الوقت إذن لكي نتحدّث أيضًا عن هذه الطّريقة الثّانية لعمل الرّوح القدس، والّتي هي العمل المواهبيّ. هناك عنصران يساهمان في تحديد ماهيّة الموهبة. أوّلًا، الموهبة هي العطيّة الّتي تُعطى “لأجل الخير العامّ”. وبعبارة أخرى، هي ليست موجّهة في المقام الأوّل وعادة لتقديس الفرد، وإنّما “لخدمة” الجماعة. 

ثانيًا، الموهبة هي العطيّة الّتي تُعطى “لواحد” أو “للبعض” بشكل خاصّ، وليس للجميع بالطّريقة نفسها، وهذا ما يميّزها عن النّعمة المقدِّسة والفضائل اللّاهوتيّة والأسرار الّتي هي بالمقابل نفسها ومشتركة للجميع. وهذا الأمر يشرحه لنا المجمع أيضًا. فالرّوح القدس– يقول المجمع- “يوزّع أيضًا نعمًا خاصّة بين المؤمنين من كلّ رتبة، يجعلهم بها ملائمين ومستعدّين للقيام بأعمال ووظائف، مفيدة لتجديد الكنيسة وتوسيعها بشكل أكبر، بحسب تلك الكلمات: “يوهَبُ لكلّ واحد ما يُظهر الرّوح لأجل الخير العامّ”. 

إنّ المواهب هي “الجواهر” أو الحلي الّتي يوزّعها الرّوح القدس لكي يجعل عروس المسيح جميلة. وهكذا يمكننا أن نفهم لماذا ينتهي النّصّ المجمعيّ بالحثّ التّالي. “وهذه المواهب، سواء كانت مواهب استثنائيّة أو حتّى أبسط وأكثر شيوعًا، بما أنّها مكيّفة ومفيدة بشكل خاصّ لاحتياجات الكنيسة، يجب أن تُقبل بامتنان وتعزية”. لقد كان بندكتس السّادس عشر يؤكّد: “من ينظر إلى تاريخ حقبة ما بعد المجمع يمكنه أن يتعرّف على ديناميكيّة التّجديد الحقيقيّ، الّتي غالبًا ما اتّخذت أشكالًا غير متوقّعة في حركات مفعمة بالحياة والّتي تجعل ملموسة حيويّة الكنيسة المقدّسة. 

علينا إذن أن نعيد اكتشاف المواهب، لأنّ هذا الأمر سيجعلنا نفهم تعزيز العلمانيّين، والنّساء بشكل خاصّ، لا كحقيقة مؤسّساتيّة واجتماعيّة فحسب، وإنّما في بعده البيبليّ والرّوحيّ. إنّ العلمانيّين، في الواقع، ليسوا نوعًا من المعاونين الخارجيّين أو القوّات المساعدة للإكليروس، لا! هم لديهم مواهبهم وعطاياهم الخاصّة الّتي يساهمون من خلالها في رسالة الكنيسة. ونضيف أمرًا آخر: عند الحديث عن المواهب، علينا أن نبدّد على الفور سوء فهم: وهو تشبيهها بمقدِّرات وقدرات مذهلة وغير عاديّة، لأنّها عطايا عاديّة تكتسب قيمة غير عاديّة عندما يُلهمها الرّوح القدس وتتجسّد في مواقف الحياة بمحبّة. إنّ هذا التّفسير للموهبة مهمّ، لأنّ العديد من المسيحيّين عندما يسمعون عن المواهب يشعرون بالحزن وخيبة الأمل، لأنّهم مقتنعون بأنّهم لا يملكون أيّ موهبة ويشعرون بأنّهم مسيحيّون مستبعدون أو مسيحيّون من الدّرجة الثّانية. لقد ردّ القدّيس أوغسطينوس على هؤلاء الأشخاص في عصره بمقارنة بليغة جدًّا: “إذا كنت تحبّ- كان يقول لشعبه- فما تملكه ليس بالقليل. إذا كنت في الواقع تحبّ الوحدة، فكلّ ما يملكه شخص ما فيها، تملكه أنت أيضًا! إنّ العين وحدها، في الجسد، هي الّتي تملك القدرة على الرّؤية، ولكن هل ترى لنفسها فقط؟ لا، بل هي ترى لليد والقدم ولجميع الأعضاء”. 

ها قد كُشِف السّرّ الّذي من أجله يصف بولس الرّسول المحبّة بأنّها “الأفضل”: هي تجعلني أحبّ الكنيسة أو الجماعة الّتي أعيش فيها، وفي الوحدة تكون كلّ المواهب، وليس بعضها فقط، “لي” كما أنّ مواهبي وإن بدت قليلة هي للجميع ولخير الجميع. إنّ المحبّة تضاعف المواهب، وتجعل موهبة الفرد موهبة الجميع.”