من أجل السّلام في لبنان وعودة الأمن والاستقرار إلى ربوعه صلّى بطريرك السّريان الكاثوليك مار إغناطيوس يوسف الثّالث يونان خلال قدّاس أحد تجديد الكنيسة، في كنيسة القدّيس إغناطيوس الأنطاكيّ- بيروت.
وللمناسبة، كانت ليونان عظة بعنوان “إنّ خرافي تعرفني وأنا أعرفها وتسمع صوتي”، قال فيها بحسب إعلام البطريركيّة: “هذا الأحد الثّاني من سنتنا الطّقسيّة، وهو أحد تجديد البيعة، وقد سمعنا من الرّسالة إلى العبرانيّين، أيّ إلى اليهود في ذاك الزّمان بعد الرّبّ يسوع، حيث أراد الكاتب أن يوضح أنّ العهد الّذي سنّه الله مع شعبه كان يمارَس في الهيكل. ويشرح لنا أنّ الهيكل كان يشتمل على ثلاثة أقسام، قسم يضمّ المؤمنين، كما هو لدينا أيضًا، وقسم ثانٍ يضمّ الخدّام الكهنة، وقسم ثالث وهو قدس الأقداس، والّذي يدخله رئيس الكهنة فقط. وكان هناك ستار يفصل بين قدس الأقداس والأقسام الأخرى من الهيكل. وكنّا نحافظ على السّتار في كنائسنا، وبعض الكنائس لا تزال تحافظ عليه، كما في الكنائس الأرثوذكسيّة، أكانوا سريان أو أرمن، والبيزنطيّون حوّلوا السّتار إلى ما يُسمَّى الإيكونوستاز، أيّ الجدار الّذي يحمل أيقونات القدّيسين، والّذي يفصل بين قدس الأقداس، المذبح، والقسم المخصَّص للإكليروس.
اليوم هو عيد التّجديد، والتّجديد كان عند اليهود ولا يزال حتّى اليوم، وهو ذكرى تقديس أو تطهير الهيكل الّذي كان قد دُنِّسَ بالوثنيّين منذ ٢٠٠ سنة قبل المسيح. وبعدما استطاعوا أن يتخلّصوا من هؤلاء الأعداء، جاء اليهود ورمّموا الهيكل وطهّروه، وسمّوا ذلك الحدث التّجديد، وهم يعيّدون هذا العيد حتّى اليوم، ويسمّونه عيد الأنوار، ويوقدون الأنوار السّبعة، ويحتفلون بحدث تطهير المذبح.
إنّ الرّبّ يسوع ذهب مع تلاميذه إلى الهيكل في ذاك اليوم، وكان يوم شتاء، حسبما يخبرنا النّصّ الّذي تلِيَ علينا من الإنجيل المقدّس بحسب القدّيس يوحنّا. من الطّبيعيّ أن نكون في فصل الشّتاء خلال شهري تشرين الثّاني وكانون الأوّل، ولكنّ المقصود هنا أنّه كان هناك مطر، وفي لبنان حين تُمطِر نقول “تشتّي”، وهذا آتٍ من اللّغة السّريانيّة.
في هذا الحدث، نسمع الجدال بين يسوع والجماعات الّتي كانت تلاحقه وتعتبره كافرًا ومجدّفًا، لأنّه يجعل نفسه ولا ينكر أنّه هو ابن الله. ونحن نعرف، وقد رأينا ذلك في عيد تقديس البيعة، في الأحد الماضي، حيث يعترف بطرس أنّ يسوع هو المسيح ابن الله الحيّ الّذي يأتي ليحقّق الخلاص. وكان التّواضعُ الموضوعَ الأساسيّ في هذا الجدال، وهذا التّواضع يقودنا إلى الإيمان. ليس من السّهل أن يؤمنوا بما كان يسوع يقوله ويعلّمه، لكنّ يسوع يواجههم على اعتبار أنّهم يعرفونه ولا يجدون فيه أيّ خطيئة، بل يرونه وهو يعمل أعمالاً حسنة، لذا، فعلى الأقلّ، إن كانوا لا يؤمنون بأقواله، فليؤمنوا بأعماله.
نحتاج اليوم، أيّها الأحبّاء، إلى هذا الإيمان الرّاسخ بالرّبّ يسوع، وبحماية الرّبّ لكنيسته، رغم كلّ الأخطاء والمخاطر والتّحدّيات الّتي تجابه الكنيسة، أكان من الخارج، أيّ من النّاس الّذين يحاولون أن يزعزعوا الكنيسة ويُضعِفوا إيمان المؤمنين، وخاصّةً في أيّامنا هذه عبر الوسائل الحديثة الموجودة، والّتي نسمّيها وسائل التّواصل الاجتماعيّ، فيتبادلون هذه الآراء والأفكار والاتّهامات، ويسبّبون الانقسامات والتّمزُّق في الكنيسة، وليسوا فقط من خارج الكنيسة، بل للأسف حتّى من بعض أعضاء الكنيسة”.
وإختتم يونان عظته ضارعًا “إلى الرّبّ يسوع الّذي وعد أن يكون مع كنيسته، أن يحمي الكنيسة، ويحمي وطننا لبنان، ولاسيّما شعبه المعذَّب، وبشكل خاصّ المسيحيّين فيه، في خضمّ هذه الأزمة المخيفة الّتي يمرّ بها بلدنا، كي يتوقّف إطلاق النّار بأقصى سرعة، وتنتهي الحرب، ويعود إلى لبنان أمنه واستقراره، ليتمكّن الجميع من العيش فيه بالسّلام والاحترام المتبادَل والمصداقيّة والأخوّة الحقيقيّة، حتّى نستطيع أن نتابع شهادتنا للرّبّ يسوع ولإنجيل المحبّة والفرح والسّلام، ليس فقط بأقوالنا، بل بأعمالنا الصّالحة بشكل خاصّ، بشفاعة أمّنا مريم العذراء، سيّدة النّجاة، وجميع القدّيسين والشّهداء”.