هذا ما دعا إليه راعي أبرشيّة الفرزل وزحلة والبقاع للرّوم الملكيّين الكاثوليك المطران ابراهيم مخايل ابراهيم خلال القدّاس الإلهيّ، يوم الأحد، في كاتدرائيّة سيّدة النّجاة- زحلة.
وفي عظته، توقّف ابراهيم عند مثل السّامريّ الصّالح وقال بحسب إعلام المطرانيّة:
“في هذا المثل الرّائع، مثل السّامريّ الصّالح، الّذي رواه يسوع في إنجيل لوقا، يكشف لنا معنى الرّحمة الحقيقيّة من خلال عمل السّامريّ الصّالح الّذي عطف على الرّجل المجروح واهتمّ به، رغم أنّ كلّ من الكاهن واللّاوي، اللّذين كان من المتوقّع أن يقدّما المساعدة، قد مرّا بجانبه دون التفات. يسوع، في هذا المثل، لم يتوقّف عند الجانب الخارجي للرّحمة، بل عمّق فهمنا للعلاقة مع الله والنّاس من خلال أعمال الرّحمة النّابعة من القلب.
كم يؤلمني موقف الكاهن واللّاوي اللّذين عبرا بجانب الرّجل المجروح دون أيّ اهتمام أو إحساس بالمسؤوليّة. هذا الموقف يعكس لامبالاة نجدها في مجتمعنا اليوم، حيث يمكن للمرء أن يمرّ بجانب الألم والعوز دون أن تهتز مشاعره أو يمدّ يده للمساعدة. كم من النّاس نلتقيهم في حياتنا يشبهون الكاهن واللّاوي، يمتلكون المعرفة، وربّما يحتلّون مكانة دينيّة أو اجتماعيّة، لكن قلوبهم مغلقة أمام معاناة الآخرين؟
هذا المثل يُشجّعنا على مواجهة هذه اللّامبالاة الّتي قد تكون متجذرة في المجتمع، ويدعونا إلى التّساؤل: هل نتحرّك بدافع المحبّة نحو الآخرين، أم ننشغل بذواتنا ونسير متجاهلين كلّ جريح ومحتاج في طريقنا؟
من ناحية أخرى يؤلمني أكثر بكثير من موقف الكاهن واللّاوي موقفُ أولئك الّذين يدعون أنّهم سامريّون صالحون بينما هم في الواقع دجّالون وكذبة. في عالم اليوم، نجد من يُمكن أن نسمّيهم “السّامريّ الطّالح وليس السّامريّ الصّالح”. فالسّامريّون الطّالحون يتظاهرون بأنّهم يخدمون الآخرين فينشئون جمعيّات ومؤسّسات تَرفعُ راية الخير والعطاء، بينما هي في الحقيقة غطاء لسرقة أموال الفقراء وتحقيق ثروات شخصيّة وتبييض الأموال. هؤلاء الأشخاص ومنهم سياسيّون ورجال دنيا ودين كالكاهن واللّاوي لا يقلّون خطرًا عن السّارقين الّذين يهاجمون الإنسان المجروح في هذا المثل لأنّهم يستغلّون أسمى معاني الرّحمة والمحبّة كوسيلة لتحقيق مصالحهم الخاصّة.
إنّهم خطر على المجتمع وعلى الوطن وهم عامل أساسيّ بين العوامل الّتي أوصلت لبنان إلى هذا الظّلام، إذ لا يكتفون بإهمال المواطنين والمودعين والمحتاجين، بل يتعدّون ذلك إلى استغلالهم، فينزعون عنهم آخر ما يملكون من كرامة وأمل. هؤلاء السّامريّون الكذبة يسيئون إلى الرّسالة المسيحيّة الحقيقيّة، ويجعلون النّاس يفقدون الثّقة في المؤسّسات الخيريّة، ممّا يزيد من معاناة الفقراء ويُعمّق جراحهم.
كم نحن بحاجة إلى وعي روحيّ وأخلاقيّ يُمكّننا من التّمييز بين الرّحمة الحقيقيّة والرّحمة المزيّفة، وأن نقف بحزم ضدّ من يُسيء إلى رسالتنا عبر استغلال حاجات الآخرين لتحقيق مكاسب دنيويّة!
في عالم اليوم، نجد أنفسنا محاطين بالكثير من الّذين هم في أمسّ الحاجة إلى “سامريّ صالح” في حياتهم: الفقراء، المتألّمين، المهملين والمجروحين نفسيًّا وجسديًّا. قد لا تكون الجراح ظاهرة للعيان، لكنّها موجودة وتحتاج إلى لمسات حبّ واهتمام. وهنا تأتي رسالتنا كمؤمنين لنجسّد الرّحمة الإلهيّة الّتي علّمنا إيّاها يسوع.
وبالحديث عن تطبيق هذا المثل في حياتنا اليوميّة، وفي أبرشيّتنا، أبرشيّة الفرزل وزحلة والبقاع للرّوم الملكيّين الكاثوليك لنا مثالٌ حيّ هو “طاولة يوحنّا الرّحيم”، هذا المشروع الّذي تضاعفت أعداد المستفيدين منه في السّنوات الأخيرة حتّى وصل العدد إلى ما يقارب 1500 شخص في زحلة وفي بعض رعايا الأبرشيّة، والّذي أصبح علامةً مضيئة على المحبّة والعطاء، دون تمييز بين شخص وآخر، وصورةً حيّة للسّامريّ الصّالح الّذي لا يسأل عن هويّة المحتاج، بل يسعى لمساعدته بكرم وسخاء.
كما ساعدت المطرانيّة من خلال مستشفى تل شيحا على سبيل المثال في خلال العشرة أشهر الماضية فقط في حاجات الاستشفاء والغذاء بحوالي 200 ألف دولار. نحن نفعل أكثر بكثير مما نتكلّم.
ولا ننسى مدرستينا: سانت ريتا وسان أندره، اللّتين تقدّمان التّعليم بأقساط مخفضة ومدروسة بحيث أنّ الأقساط عندنا لا تتجاوز ثلث الأقساط في مدارس خاصّة أُخرى.
في ظلّ الظّروف الصّعبة الّتي يمرّ بها وطننا الحبيب لبنان، يبرز “مطعم يوحنّا الرّحيم” ومطرانيّتنا ومستشفى تلّ شيحا ومدرستا سانت ريتا وسان أندره كنماذج عمليّة لتعليم يسوع في هذا المثل. إنّهم ليسوا مجرّد أمكنة لتقديم الطّعام والاستشفاء والتّعليم، بل هم رسالة محبّة عمليّة، ويد ممدودة بالرّحمة للمتألّمين والمحتاجين. إنّها دعوة لنعيش رسالة الرّحمة والمحبّة دون حدود، وأن نكون سامريّين صالحين في حياة من حولنا، خاصّة في أوقات المحن.
إذًا، كم نحن مدعوّون اليوم، كلّ واحد منّا، إلى أن يكون سامريًّا صالحًا لمن هم حوله، وأن نعيش الرّسالة المسيحيّة بكلّ أبعادها، فنحمل للآخرين الأمل والرّجاء، ونساعد في بناء وطننا لبنان من خلال المحبّة والعطاء. آمين.”