إستقبل البطريرك المارونيّ مار بشارة بطرس الرّاعي، قبل ظهر اليوم الخميس في الصّرح البطريركيّ في بكركي وفد من حزب حركة التّغيير برئاسة رئيس الحزب إيلي محفوض الّذي قال بعد اللّقاء أنّ دور الصّرح البطريركيّ لطالما كان جامعًا في أيّام السّلم والحرب، واليوم الكنيسة تقوم بدورها تجاه النّازحين دون تمييز، كما لفت محفوض إلى أبرز النّقاط الّتي تطرّق لها مع غبطته، وأهمّها خطورة أن يلجأ عنصر من جماعة إرهابيّة، مطلوب من العدوّ الاسرائيليّ، أن يسكن بين السّكّان المدنيّين الأبرياء، فهو يتحوّل الى مجرم. محفوض أضاف أنّه عندما يلجأ النّاس إلى مناطق تستقبلهم لا يمكن للّاجىء أن يتطاول ويضع شروطًا ًعلى المضيف وترفع علم الحزب الّذي أوصل لبنان إلى ما هو عليه اليوم، فالجميع مرحّب به، ولكن يجب أن يعلم النّاس أنّ من أوصلهم الى هنا تركهم وتخلّى عنهم، ومن اتُّهم بأنّه صهيوني وعميل، يستضيف اليوم النّازحين واللّاجئين، فمن خرّب لبنان يحمل مشروعًا إيرانيًّا لا يشبه لبنان.
محفوض أشاد بنداءات البطريرك من أجل التّحييد الفاعل للبنان، ومن أجل عقد مؤتمر دوليّ لدراسة كيفيّة تطبيق الطّائف والقرارات الدّوليّة.
أمّا في موضوع رئاسة الجمهوريّة اعتبر محفوض أنّ المطلوب هو رئيس مارونيّ يرتكز إلى تعاليم الصّرح البطريركيّ ويؤمن بالحياد والعلاقات الودّيّة مع الدّول الأصدقاء المحيطة بلبنان، على عكس العلاقة مع ايران الّتي لم تخدم لبنان طوال السّنوات الفائتة، بل زوّدته بالسّلاح، داعيًا الحكومة إلى طرد أفراد السّفارة الإيرانيّة في لبنان.
ثمّ استقبل وفدًا من نقابة محرّري الصّحافة اللّبنانيّة برئاسة النّقيب جوزف القصيفي، وجدّد أمام الوفد مطالبته بفتح البرلمان لانتخاب رئيس الجمهوريّة بحسب الدّستور الّذي يدعو إلى جلسات انتخابيّة متتالية وليس إلى جلسات حوار للاتّفاق على اسم الرّئيس، كما جدّد مطالبته بتطبيق الطّائف نصًّا وروحًا وبحياد لبنان وتطبيق القرارات الدّوليّة.
إستُهلّ اللّقاءبكلمة للنّقيب القصيفي جاء فيها: “نزوركم اليوم في هذا الصّرح العريق الّذي عاصر وقوعات وحروبًا، وشهد استحقاقات كبرى وتحوّلات مصيريّة، وما زال حاضرًا وماثلًا في قلب الحدث وصميمه، لنؤكّد وجوب مواصلة الالتزام بالنّهج الّذي أرسته القمّة الرّوحيّة الّتي عقدت أخيرًا في بكركي ، وصدر عنها بيان نوعيّ تميّز بالحكمة وحسّ المسؤوليّة في مقاربة الوضع الرّاهن، في ضوء تصميم العدوّ الإسرائيليّ على إبادة من يستطيع إبادته في لبنان، وخلق أرضيّة لصدام بين مواطنيه يؤسّس لحرب أهلّيةّ، وحمل أبناءه على النّزوح منه، والإمعان في تهجيرهم وتصدير أدمغتهم الخلّاقة إلى خارج يعرف كيف يستفيد من عطاءاتها وإبداعاتها. وفي هذا الجوّ الملبّد بالغيوم الدّاكنة ثمّة سؤال كبير بحجم الكارثة الّتي حلّت بنا: أين يُريد أن يصل الكيان الصّهيونيّ الغاصب؟ إلى ضرب وحدة لبنان؟ إلى إفراز منطقين ومنطقتين؟ إلى ضرب ما تبقى من ركائز الوحدة الوطنيّة؟ إنّ الخوف من الفتنة هذه الأيّام هو مشروع، ولو أصرّ كبار المسؤولين والسّاسة على نفي احتمال حصولها، ويبقى الأمل في الأصوات الدّاعية إلى التّعقّل، والحرص على التّماسك الوطنيّ على الرّغم من تباين النّظرة إلى الأحداث وقراءتها. وإنّ توصيات القمّة الرّوحيّة الأخيرة في بكركي حذّرت من التّمادي في الاستفزاز والمساس بالمشاعر، والذّهاب بعيدًا في الحرب الكلاميّة، وكنتم يا صاحب الغبطة والنّيافة الأسبق إلى التّحذير منها ومن تداعياتها، ولست أغالي إذا قلت إنّ توصيات قمّة بكركي أشاعت أجواء إيجابيّة في أوساط الرّأي العامّ اللّبنانيّ، نرجو أن تستمرّ من خلال متابعة أركان القمّة لها، بغرض تحويلها إلى نمط يصبّ في مصلحة الاستقرار، ويفتح الطّريق أمام حلول مرتجاة تنقلنا إلى واقع أفضل. وإنّنا في نقابة المحرّرين توجّهنا إلى الجميع راجين منهم تحمّل مسؤوليّاتهم الوطنيّة والإنسانيّة في هذه الأحوال العصيبة، وداعينهم إلى الكلمة الّتي “تحنّن” لا إلى الكلمة الّتي ” تجنّن”، ومذكّرينهم بقول الشّاعر نصر بن سيار الكنانيّ:
أرى تحت الرّماد وميض نار ويوشك أن يكون له ضرام
فإنّ النّار بالعودين تُذكى وإن الحرب مبدؤها كلام
فان لم يطفها عقلاء قوم يكون وقودها جثث وهام
صاحب النّيافة والغبطة: نشكر استقبالكم لنا.
لكم الكلمة.”
ثمّ ألقى الرّاعي كلمة رحّب فيها بمجلس النّقابة وقال: “شكرًا أستاذ جوزف على كلمتك وأهلًا وسهلًا بكم. اللّقاء معكم هو لقاء سنويّ جميل جدًّا. الصّحافة هي أساس وأعني الصّحافة البنّاءة الّتي أنتم حريصون عليها. وأشكركم على كلّ ما تقومون به، خصوصًا أنّ الوطن بحاجة الى التّهدئة في ظلّ هذه الحرب الكبيرة الّتي تشهد قتلًا ودمارًا وتهجيرًا، والتّهدئة هي مهمّتكم وهي من صلب دوركم لطمأنة النّاس في ظلّ تهجير النّاس من بلداتهم ومنازلهم وفاق عددهم المليون و200 ألف شخص ولن ننسى الضّحايا وهم بالآلاف. عليكم الترّكيز دائمًا على ما هو إيجابيّ والتّخفيف من السلّبيّات. وجودكم في الحياة اللّبنانيّة وحتّى بصمتكم فأنتم ضرورة في المجتمع. الشّعب يرتاح إلى هذا النّوع من الصّحافيّين الّذين يبنون ونحن أوّل من يرتاح إليكم، وبنوع خاصّ من هو على رأس هذه النّقابة الأستاذ جوزف القصّيفي الّذي يعطي للنّقابة رونقها. النّاس ليسوا بحاجة إلى التّغذية وإلى مراكز نزوح بل هم بحاجة إلى الكلمة الجميلة إلى الكلمة البنّاءة وإلى الكلمة الّتي تعزّز لديهم الرّجاء. نحن نحبّكم ونقدّر ما عملكم لخير لبنان. أنتم بنّاؤون تابعوا رسالة البناء. الكلمة لا تموت ودورها آت لا محال. ربّنا يبارك أعمالكم ودوركم أساسيّ في هذه المرحلة الصّعبة الّتي يعيشها لبنان.”
ثمّ دار حوار ردّ في خلاله البطريرك الرّاعي على أسئلة أعضاء مجلس النّقابة، وردًّا على سؤال حول مقرّرات القمّة الرّوحيّة، قال: “هناك لجنة متابعة ستبصر النّور قريبًا لمتابعة مقرّرات القمّة وتوصياتها وما هو مطلوب منها. وستكون هناك خلوة للجنة المتابعة حول موضوع النّازحين لرفع مقرّراتها إلى قمّة روحيّة ينحصر جدول أعمالها بموضوع النّازحين. نحن نعمل من أجل وحدة اللّبنانيّين ولاستقبال جميع النّازحين ونحن نعمل للتّهدئة ومن دون تمييز أو تفرقة. حديثنا ليس حديثًا سياسيًّا. حديثنا هو العيش الواحد للّبنانيّين الّذين يجب أن يعيشوا معًا”.
وردًّا على سؤال حول دور الفاتيكان في لبنان وأنّ هناك خلافات مع غبطتك وأنّ هناك مطالبة فاتيكانيّة لتقديم استقالتك، قال ضاحكًا: “ما في شي منّو” التقيت قداسة البابا خلال مشاركتي في تقديس الأخوة المسابكيّين، وأنا طلبت من الفاتيكان قبول عدم مشاركتي في السّينودوس وطلبت أن يمثّل المطران بولس روحانا البطريركيّة المارونيّة في هذا اللّقاء، لأنّه ملمّ بكلّ المواضيع الّتي كانت مطروحة وهو شارك في إعدادها من خلال عدّة لجان وهيئات، وأنا تمنّيت أن يكون هو في هذا اللّقاء إذا وافق قداسة البابا. والتقيت قداسة البابا وتحدّثت معه عن لبنان كما التقيت الكاردينال باروليني. لذلك ليس هناك لا استقالة ولا إقصاء.
وردًّا على سؤال حول خيارات وفق إطلاق النّار والمفاوضات في ظلّ انتصار أو انكسار وعمّا إذا كانت بكركي تقوم بجهود في هذا السّبيل، قال: “في الحروب ليس هناك كلام عن انتصار أو إنكسار في الحروب تقوم مفاوضات دبلوماسيّة، وللأسف هذه المفاوضات ما زالت غائبة ومن الممكن أن تحصل هذه المفاوضات مع الرّئيس الأميركيّ المنتخب دونالد ترامب، الّذي وعد خلال حملته الانتخابيّة أن ينعم الشّرق الأوسط بالسّلام. الحلّ يكون بالمفاوضات السّياسيّة وليس بالانتصار أو بالانكسار.”
وردًّا على سؤال حول غياب الطّرف المسيحيّ عن المفاوضات الحاصلة، قال: “القضيّة عرجاء وليس من اليوم ولكن منذ شغور كرسيّ رئاسة الجمهوريّة. وعدّة مرّات تحدّثت عن ميثاقيّة عمل رئيس الحكومة وعمل رئيس المجلس النّيابيّ في ظلّ غياب رئيس الجمهوريّة. أين هو العنصر المسيحيّ؟ غائب.”
وردًّا على سؤال عمّا إذا كان الحقّ على المسيحيّين في عدم انتخاب رئيس جمهوريّة، قال: “لا. ليس الحقّ على المسيحيّين، بل الحقّ على إقفال المجلس النّيابيّ في وجه هذا الاستحقاق. هذا أقوله دائمًا ونبّهت من خطورة هذا الموضوع. أين الميثاقيّة في ظلّ غياب رئيس الجمهوريّة؟ من الخطأ القول إنّ الحقّ على المسيحيّين في عدم انتخاب رئيس الجمهوريّة. المطلوب من رئيس مجلس النّوّاب دعوة النّوّاب إلى عقد جلسات متتالية لانتخاب الرّئيس. أمّا القول إنّ انتخاب الرّئيس ينطلق من الاتّفاق على اسم الرّئيس فهذا غير دستوريّ وغير منطقيّ. هذا المنطق هو إعطاء حقّ الفيتو. “منين جيبا روحو اتّفقو على واحد؟”. المطلوب جلسات متتالية، لا أكثر ولا أقلّ. جلسة حزيران 2023 كانت جلسة صحيحة ومن ثمّ أقفلنا المجلس ولم نعرف لماذا، والدّستور يقول إنّ المجلس هو هيئة ناخبة.
وعن تأمين نصاب الجلسات، قال: “تأمين النّصاب واجب، وعلى النّائب الحضور إلى المجلس النّيابيّ لانتخاب رئيس. الحقّ من تغيّب النّائب عن جلسة الانتخاب “مش شامم الدّستور ريحة هذا القول”. هناك ممارسات غير صحيحة لا بحسب الدّستور ولا بحسب المنطق.”
وردًّا على السّؤال حول امكانيّة دعوة القادة الموارنة كما حصل في السّابق للاتّفاق على اسم رئيس، قال: “لم يحصل هذا من قبل في بكركي، اجتمع القادة في بكركي ليقولوا نحن مرشّحون للرّئاسة ولم يكن الموضوع موضوع اختيار بكركي لرئيس منهم. وقلت لهم يومها: أنا اتحفّظ على هذا اللّقاء لأنّ كلّ مارونيّ له الحقّ لأن يترشّح إلى رئاسة الجمهوريّة. وليس هناك حاجة لإعادة جمعهم قال ردًّا على سؤال، لأنّ الحاجة واحدة ألا وهي فتح باب البرلمان لانتخاب الرّئيس.”
وعن التّمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون، قال: “عبّرت عن موقفي في عظة الأحد. وقلت إنّ لا يجوز تغيير قائد الجيش في هذه الظّروف الّتي نعيشها اليوم وفي ظلّ غياب رئيس الجمهوريّة والحرب الدّائرة. وتماسك الجيش ووحدته هي الأهمّ الآن. وهذه الظّروف لا تسمح بتغيير قائد الجيش. وليس لديّ أيّة غاية شخصيّة في هذا الموضوع. ونعم أنا مع التّمديد لكلّ القادة الأمنيّين في هذه الظّروف الصّعبة قال غبطته”.
وردًّا على سؤال عمّا إذا كان خائفًا على لبنان ونظامه، قال: “لا. لست خائفًا. نحن نقول إنّ لبنان هو لكلّ أبنائه ولا تمييز بين لبنانيّ وآخر أو بين مكوّن وآخر. وعلينا كلّنا الاتّكال على لبنان الوطن بتنوّعه وتعدّديّته وهو يكون الحامي للجميع وليس الاتّكال على الخارج. علينا احترام حدودنا ودستورنا. المحاصصة خطأ.”
وردًّا على سؤال حول عقد مؤتمر وطنيّ قال:” أنا سبق وأعلنت ودعيت لعقد مؤتمر وطنيّ لدرس تطبيق اتّفاق الطّائف بنصّه وبروحه ولا يمكن إلغاء هذا الاتّفاق. وتطبيق القرارات الدّوليّة الّتي لم تطبّق وإعلان حياد لبنان. وهذه نقاط بحاجة إلى عقد مؤتمر وطني ّدوليّ.”