من يحملها بثقة يحصد نعمًا غزيرة، وله تنفتح أبواب السّماء وتنهال عليه بركاتها بشكل عجائبيّ. هي الأيقونة العجائبيّة هديّة مريم البريئة من الخطيئة لنا.
ولكن ما قصّة هذه الأيقونة العجائبيّة ولم نعيّد لها في السّابع والعشرين من ت2/ نوفمبر من كلّ عام في عيد سيّدتها؟
هي هديّة سماويّة تحمل في أبعادها رموزًا نقلتها إلينا مبتدئة شابّة في جمعيّة راهبات المحبّة، شابّة هرمت باذلة حياتها بالصّمت والخفاء لخدمة الفقراء والمرضى والمسنّين، فأضحت فيما بعد القدّيسة كاترين لابوريه.
كلّ شيء بدأ في العام 1830 حين انضمّت كاترين إلى الجمعيّة كمبتدئة. فبعد مسيرة من ظهورات متتالية للقدّيس منصور دو بول وليسوع المسيح في القربان المقدّس طيلة فترة التّنشئة، كان اللّقاء الكبير بمريم العذراء في 18 تمّوز/ يوليو في كنيسة الدّير، حيث تلقّت رسالة من العذراء نطقتها في كلمات مغلّفة بحزن مريميّ ورسمت عبرها الواقع الأسود المرّ الّذي ستعيشه بلادها، طالبة منها أخيرًا تأسيس جمعيّة الشّبيبة المريميّة والّتي أُسّست حقًّا في 2 شباط/ فبراير 1840. ودعتها إلى اللّجوء إلى أقدام المذبح حيث ستفيض النّعم على جميع من يطلبها بثقة وحرارة.
أمّا الظّهور الثّاني فكان في 27 ت2/ نوفمبر، إذ تراءت لها في مشهدين تقف فيهما مريم على نصف الكرة الأرضيّة وقدماها تسحقان الحيّة. في المشهد الأوّل، تمسك مريم بيدها كرة ذهبيّة صغيرة يعلوها صليب وترفعها نحو السّماء، كرة “تمثّل العالم بأسره وفرنسا وكلّ إنسان بمفرده”؛ وفي الثّاني تبسط العذراء يديها وفي أصابعها خواتم من الحجارة الكريمة، ويحيط بهما شعاع سماويّ رمزًا للنّعم الّتي ستسبغها على طالبيها. ثمّ تشكّل رسم بيضاويّ حول العذراء وكُتبت بحروف ذهبيّة وبشكل نصف دائريّ عبارة: “يا مريم البريئة من الخطيئة الأصليّة صلّي لأجلنا نحن الملتجئينَ إليك”، وطلبت العذراء منها طباعة هذه الأيقونة ونشرها على أن يحصد نعمًا غزيرة من يحملها بثقة. وأظهرت لها من الخلف أوّل حرف من اسمها حرف M فوقه صليب دلالة على مشاركتها ليسوع في مسيرة الخلاص، وفي الأسفل قلبان متقاربان: قلب يسوع ويحيط به إكليل شوك، وقلب مريم مطعون بسيف. وعلى إطار الأيقونة، حُفرت إثنتا عشرة نجمة مطابقة عدد الرّسل الاثني عشر الممثّلين للكنيسة.
في ك1/ ديسمبر، كان الظّهور الثّالث والأخير، إذ تجلّت مرّة جديدة صورة الأيقونة بالقرب من بيت القربان، وسمعت كاترين يومها صوت العذراء يخبرها “لن تريني بعد الآن”.
وهكذا كان! فبعد أن لبست كاترين ثوب الرّهبنة في اليوم الأخير من سنة 1831، مضت في مسيرة خدمة العجزة والفقراء في مأوى في شرقيّ باريس، مدّة 46 عامًا. إلّا أنّها لم تسترح قبل تحقيق رغبة العذراء، فتجرّأت وأعادت طلب طبع الأيقونة من مرشدها وبإلحاح، فكان أن تحقّق في حزيران/ يونيو 1832، بعد أن اجتاح وباء الكوليرا باريس في شباط/ فبراير موديًا بحياة أكثر من عشرين ألف شخص. وقامت وقتها راهبات المحبّة بتوزيع ألفي أيقونة فانفتحت أبواب السّماء ناثرة الشّفاءات والنّعم على طالبيها، وأطلق أهل العاصمة الفرنسيّة حينها على الأيقونة لقب “العجائبيّة”.
واليوم، في عيد الأيقونة العجائبيّة، نأتي إليك يا أمّنا مريم بثقة بنويّة ونسألك أن تعطفي نظرك على عالمنا المجروح، وشرقنا المجلود، ووطننا الرّازح تحت وطأة الحرب، ونتضرّع إليك أن تنثري علينا سلام السّماء، سلام ابنك يسوع، وتحضني أرضنا المعذّبة وتنهضيها من الظّلام فتعاين وشعبها النّور الّذي لا ينطفئ، آمين!
بقلم: ريتا كرم