إجتمع مجلس رؤساء الكنائس الكاثوليكيّة في سوريا برئاسة بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للرّوم الملكيّين الكاثوليك يوسف العبسيّ، من 26 إلى 28 من الجاري.
وفي ختام الاجتماع، صدر البيان التّالي:
“في إطار الاجتماعات الدّوريّة، الّتي يعقدها مجلس رؤساء الكنائس الكاثوليكيّة، في سورية، على نحو منتظم، وبدعوة من صاحب الغبطة السّيّد البطريرك يوسف العبسيّ الكلّيّ الطّوبى، بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للرّوم الملكيّين الكاثوليك، ورئيس المجلس، انعقدت جلسات هذا الأخير، في مطرانيّة الأرمن الكاثوليك بدمشق، خلال الفترة الممتدّة بين السّادس والعشرين من شهر تشرين الثّاني الجاري ٢٠٢٤، والثّامن والعشرين منه. فحضر السّادة الأساقفة، رؤساء الكنائس الكاثوليكيّة جميعًا من محافظات سورية: حلب، وحمص، ودمشق، واللّاذقيّة، والجزيرة، ومن حوراني جنوب البلاد، وانضمّ إليهم ممثّلان عن الرّهبانيّات النّسائيّة والرّجّاليّة، ورؤساء عدد من اللّجان الأسقفيّة، بصفة مدعوّ؛ واضطلع بتدوين محاضر الجلسات أمانة سرّ المجلس.
بدأ الاجتماع بصلاة جماعيّة في كنيسة المطرانيّة ثمّ انتقل المجتمعون إلى قاعة الاجتماعات حيث افتتح غبطة السّيّد البطريرك يوسف العبسيّ الاجتماع، بكلمة، عدّد فيها محاور الدّورة الحاليّة، الرّئيسيّة، كما رحّب بالأعضاء الجدد. وتناول الكلام بعد ذلك، نيافة الكاردينال ماريو زيناري، السّفير البابويّ، فتطرّق إلى حدث إعلان قداسة شهداء دمشق الرّهبان الفرنسيسكان مع الإخوة المسابكيّين الموارنة فرنسيس ورفائيل وعبدالأحد، والى دعوى تقديسهم، في زمن تمرّ فيه الكنيسة في سورية، بمخاض صعب، على جميع المستويات الحياتيّة. وقد ترك سعادة السّفير البابويّ، بين يديّ أعضاء المجلس، اقتراحًا يتعلّق بالتّفرّغ إلى خلوة. على مدى يومين أو ثلاثة، خلال الفترة القادمة، يتداول في أثنائها آباء المجلس، بقضايا أساسيّة، تهمّ شهادة الكنيسة، ودورها الاجتماعيّ، في ظلّ الظّروف الحاليّة وخصوصًا تنشئة الكهنة.
وافق المجتمعون على اقتراح سعادة السّفير البابويّ، لما يكتسب من أهمّيّة، وأبقوا النّقاش، بشأنه مفتوحًا، ريثما تنتهي باقي الحيثيّات، المتعلّقة بتحقيق المشروع المقترح.
وعلى الفور، انتقل السّادة الأساقفة إلى تداول المواضيع المطروحة على جدول الأعمال، وفق التّرتيب الآتي:
١) الإستماع إلى تقارير اللّجان الأسقفيّة والتّداول بشأنها وهي التّالية: اللّجنة الخيريّة – كاريتاس سورية- ثمّ لجنة خدمة المحبّة، ثمّ لجنة التّعليم المسيحيّ، فعمل اللّجنة المسكونيّة، واللجنة اللّاهوتيّة والكتابيّة. وبعد الظّهر، استأنف المشاركون الإستماع إلى تقارير باقي اللّجان: لجنة العائلة والحياة، لجنة وسائل الإعلام، ولجنة الحياة المكرّسة، واللّجنة القانونيّة، وأخيرًا اللّجنة المختصّة بالحوار بين الأديان فاللّجنة المهتمّة بالمساجين في السّجون.
٢) لم ينحصر عرض اللّجان الأسقفيّة لتقاريرها بالإنجازات والتّحدّيات والإمكانيّات المتاحة، بل تخطّى النّقاش هذه الحدود، وخاض في أمور تطويرها، وتوسيع نطاق عملها، والبحث عن موارد تمويل لنشاطاتها، في ظروف إقليميّة متغيّرة.
٣) وإذ لم يزل الموضوع الاجتماعيّ شغل الغالبيّة العظمى الشّاغل من أبناء الشّعب السّوريّ، أفرد السّادة الأساقفة متّسعًا من الوقت، خلال مناقشاتهم، لقضايا الشّباب بشكل خاصّ، واستعرضوا عددًا من الميادين، الّتي يسعهم فيها تلافي هاجس الهجرة، بتأمين فرص عمل لهم: تعميم منصّة تفاعليّة بين الشّركات المنتجة، وبين الطّبقة العاملة، ودعم مشاريع صغيرة، توفّر دخلًا ميسورًا، في مقابل القيام بخدمة اجتماعيّة كافتقاد الشّباب للمسنّين وزيارتهم بشكل دوريّ، أو تربويّة كالدّورات الدّراسيّة، الإسهام في التّخفيف من بعض الأعباء الحياتيّة والدّراسيّة. لكنّ تعاظم الأزمة الاقتصاديّة، يومًا بعد يوم، يجعل من عمل الكنيسة الاجتماعيّ حملًا باهظ الثّمن من جهة، ومثقلًا بالهموم من جهة أخرى.
٤) كما ألحّ السّادة الأساقفة على ضرورة العمل مع الأسرة، رعويًّا. لقد باتت الأسرة مسرحًا يسهل اقتناصه، بسبب الأزمة المعيشيّة والحاجة المادّيّة الملحّة، وبسبب الإغراءات العديدة، الّتي يصعب الصّمود في وجهها، في الظّروف الاقتصاديّة الصّعبة والرّاهنة. ولفت البعض إلى رسالة الكنيسة في بلاد الاغتراب، وإلى ضرورة تنظيم الرّعايا، هنالك، بالتّنسيق والتّشاور مع المجالس الأسقفيّة اللّاتينيّة، في كلّ ما يتعلّق بحياة الكنيسة الشّرقيّة الكاثوليكيّة. ولم يغب عن بال المجتمعين السّعي إلى الاهتمام بتحسين الدّخل المعيشيّ لكهنة الرّعايا، ورعايتهم الصّحّيّة، ولاسيّما أصحاب العائلات منهم.
٥) كما أجمع السّادة الأساقفة على أنّ الحروب المتتالية، وأعمال التّدمير، وتعليق الحلّ العادل والشّامل في وجه شعوب المنطقة، يُسهم بشكل حاسم، في زيادة حالات البؤس والشّقاء. والتّشريد والهجرة وعلى وجه الخصوص الحصار والعقوبات الجائرة أحاديّة الجانب، وما يخلّفه كلّ هذا من فقر واستغلال وحرمان مستشري، في وسط مجتمعاتنا، والّذي ماهو إلّا أبشع أشكال العنف والقهر، الّذي يتعرّض له شعبنا، كلّ يوم، بكافّة أطيافه وفئاته. لأجل ذلك يحثّ السّادة الأساقفة، كافّة المسؤولين والرّؤساء والمعنيّين، على إظهار مزيد من التّعاضد المجتمعيّ، ومزيد من حسّ الأخوّة الإنسانيّة، ومزيد من الخصال الحميدة الّتي طالما تميّز بها شعبنا في سورية. أمّا عن القرارات الجمّة الّتي اتّخذها المجلس فإلى جانب توجيه الاهتمام إلى رعاية الكهنة وتنشأتهم المستمرّة، أولى آباء المجلس اهتمامًا متزايدًا وحثيثًا نحو العائلة المسيحيّة في طور نشأتها وتكوينها ونموّها في مجتمع اليوم. كما وثمّن آباء المجلس ثمار ومسيرة السّينودس الرّومانيّ الّذي انعقد في روما في دورته السّنويّة الثّانية على التّوالي، وما يحمله هذا الحدث الكنسيّ المهمّ من تجديد للحياة الكنسيّة الفرديّة والجماعيّة لتجسيد هذه المسيرة في الأبرشيّات والرّعايا.
٦) وختم السّادة الأساقفة مداولاتهم بالتّركيز على فكرة “الرّجاء”. لا بدّ من أن تزول سحابة الضّيق المظلمة، الّتي تكتنف حياة كلّ مواطن، وتقضّ مضجع كلّ أب، وأمّ، وتؤرق مآقي أطفالنا. لا بدّ من أن يأتي نهار مشرق، بفضل اتّكالنا على الله العامل فينا بروحه القدّوس، وبفضل تفاني كثيرين، وثباتهم على الإيمان وتقديمهم شهادات حيّة على أنّ القداسة لا تزال تتأجّج في عروقهم، وفي نفوسهم، ولا تزال تتّخذ لها في حنايا صدورهم مضجعًا. الرّجاء الّذي لا يموت، بحسب آباء المجلس، هو قوّة الإيمان الّذي لا يخيب. لقد عاشت منه الكنيسة وبه تتابع مديرتها (رو ٥:٥).
وبهذا الرّوح عينه وفي غمرة اقتراب مواسم الأعياد المباركة، الميلاد ورأس السّنة الميلاديّة، هنّأ الآباء تهنئة قلبيّة الشّعب السّوريّ كافّة. كذلك وجّهوا شكرًا لله للخبر المفرح بوقف إطلاق النّار في لبنان الشّقيق متمنّين لشعبه سلامًا ثابتّا مع اقتراب ميلاد ملك السّلام وآملين أن يحلّ السّلام في أرجاء المنطقة برمّتها.”